أغنى رئيس دولة بالعالم!!
نشرت بعض المواقع اليمنية وغير اليمنية مؤخراً خبراً بعنوان :<<أفقر رئيس دولة بالعالم يتقاضى 1,250 دولار شهرياً>> وكان الخبر عن السيد خوسيه موخيكا، الرئيس الحالي للأوروغواي.
وبعد أن قرأت الخبر توقفت قليلاً وتساءلت بيني وبين نفسي هل حقاً هذا الرجل أفقر أم أغنى رئيس دولة بالعالم؟ وحين حاولت الإجابة على تساؤلي وجدت أن هناك إجابتين مختلفتين:
فإذا نظرنا إلى المسألة من الناحية المادية، سنجد فعلاً أن هذا المبلغ زهيد جداً ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتقاضاه هذه الأيام أي رئيس دولة بالعالم على الإطلاق، خاصة إذا نظرنا للوصول إلى سدة الحكم على أنه حُلم وفرصة للثراء والجاه وتحقيق أكبر قدر من المصالح الشخصية قبل فوات الأوان. والتاريخ مليء بالكثير من الرؤساء الذين وصلوا إلى سدة الحكم وهم لا يملكوا قوت يومهم ولم يتركوا الحكم—هذا إن تركوه طواعية—إلا وهم وكل من حولهم من أبناء وبنات وأحفاد وأقرباء ورفقاء وأصدقاء من أغنى أغنياء العالم ويملكون تقريباً كل شيء في البلاد التي قدر لهم أن يتحكموا فيها وبمواطنيها. وبالتالي، فإن خوسيه موخيكا هو فعلاً أفقر رئيس دولة بالعالم وليس "احمر عين" و"ذيب" و"شاطر" و"إبليس" إلى آخرذلك من الصفات التي تطلق على من يعرف كيف يستغل الوظيفة العامة لتحقيق مصالح شخصية، وإلا كيف يكون رئيس دولة وفقير في ذات الوقت! يا عيباه يا سيد موخيكا! ألم تنظر حولك وتتعلم من أقرانك؟
أما إذا نظرنا إلى المسالة من زاوية مختلفة واعتبرنا أن تحمل المسؤولية والقبول بتولي منصب رفيع على أنه تكليف وليس تشريف ومغرم وليس مغنم وأنه فرصة لخدمة البلد والشعب الذي يقدر للمرء أن يقوده ويفعل ما يشفع له ويجعله يستحق أن يُخَلَّد في صفحات تاريخ ذلك البلد، فإن ما يقوم به السيد خوسيه موخيكا، رئيس الأوروغواي الحالي، هو الصواب بعينه ويجعله أغنى وليس أفقر رئيس دولة بالعالم لأنه يعرف تماماً ما تقتضيه الوظيفة العامة وأن الرئيس يجب أن يكون في خدمة الشعب وليس العكس. كما أنه يجب أن يمثل قدوة لكل فرد من أفراد الشعب بتصرفاته وسلوكه بالقول والعمل. يقول الرئيس خوسيه موخيكا إن "أهم أمر في القيادة المثالية هو أن تبادر بالقيام بالفعل حتى يسهل على الآخرين تطبيقه". وبذلك يضرب مثلاً لشعبه مبتدءاً بنفسه على النحو الآتي بحسب ما أورده المصدر أون لاين والعربية نت:
- يتبرع خوسيه موخيكا بـ90% من راتبه لصالح الأعمال الخيرية، ويقول إن المبلغ الذي يتركه لنفسه (1,250 دولار) يكفيه ليعيش حياة كريمة، بل يجب أن يكفيه خاصة أن العديد من أفراد شعبه يعيشون بأقل من ذلك بكثير.
- يعيش منذ بداية شهر مارس/آذار 2010، في بيت ريفي مع زوجته لوسيا توبولانسكي، عضو في مجلس الشيوخ، التي تتبرع هي الأخرى بجزء من راتبها، وفقاً لما نشرته صحيفة "البيان" الإماراتية.
- قال موخيكا، في مقابلة أجرتها صحيفة "إل موندو" مؤخراً، إن أغلى شيء يملكه سيارته "الفولكس واجن بيتل" التي تقدر قيمتها بـ1945 دولار أمريكي.
- وذكر موقع "ياهو نيوز" إن الرئيس لا يملك حسابات مصرفية ولا ديون، ويستمتع بوقته برفقة كلبته "مانويلا". وكل ما يتمناه عند انقضاء فترة حكمه هو العيش بسلام في مزرعته، برفقة زوجته.
وبحسب ما جاء في الخبر في المصدر أون لاين والعربية نت <<يشير مؤشر منظمة الشفافية العالمية إلى أن معدل الفساد في الأوروغواي انخفض بشكل كبير خلال ولاية موخيكا، إذ يحتل هذا البلد الواقع في أمريكا الجنوبية المرتبة الثانية في قائمة الدول الأقل فساداً في أمريكا اللاتينية.>>
إذاً نتعلم من الرئيس خوسيه موخيكا أن الغنى غنى النفس وأن القائد والزعيم الحقيقي يجب أن يكون قدوة حسنة لمرؤوسيه وأن يقول ويفعل ما يرغب أن يفعله مواطنيه من أجل أن يخلده شعبه في حياته ومماته، فلا يطلب منهم أن يتوقفوا عن الكسب غير المشروع وهو يمارسه ليل نهار، ولا يطلب منهم أن يتوقفوا عن الكذب وهو يكذب صبح مساء، ولا يطلب منهم أن يحافظوا على النظام ويحترموا القانون وهو لا يحافظ على نظام ولا يحترم قانون، ولا يطلب منهم أن يكونوا أعزاء أصحاب كرامة وهو يتسول باسمهم ويهين نفسه في كل مناسبة، ولا يطلب منهم أن ينبذوا العنف والإرهاب وهو يغذيه وينميه ويرعاه وينشره في كل مكان، ولا يطلب منهم أن يكونوا أصحاب مبادىء ويحترموا العهود والمواثيق وهو ليس له مبدأ ولا يحترم عهود ولا مواثيق، ولا يطلب من شعبه أن يحب وطنه وهو يثبت كل يوم أنه لا يحب لا وطن ولا مواطن، ولا يخطب فيهم حول أهمية العلم والتعليم وهو يعمل كلما في وسعه لإهانة أهل العلم ويدمر العملية التعليمة من خلال مماراساته الخاطئة، ولا يبني لنفسه قصوراً فارهة في كل مدينة وقرية من أموال الشعب والعديد من أفراد شعبه ينامون في العراء على مرمى حجر منه، ولا ...، ولا...، ولا ... .
لن نقول بعد كل هذا إلا، لله درك يا خوسيه موخيكا! أنت أغنى رئيس دولة بالعالم بأخلاقك وصدقك وحبك لوطنك وشعبك، وبالفعل أنت بهذه الأخلاق تقدم نموذجاً رائعاً للقائد الذي يمثل قدوة حسنة لشعبه ويعلمهم من خلال ممارساته الشخصية اليومية بالقول والعمل كيف يحافظوا على المال العام ويتجنبوا الفساد ويقوموا بالأعمال الخيرية من مالهم الخاص وليس من خزينة الدولة وأمور أخرى كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.
حقاً أنت يا خوسيه موخيكا تجسد بأقوالك وبأفعالك مقولة <<حكمت، فعدلت، فأمنت>>.