التحالف الشيطاني ينتقم
لم يأت التحالف الشيطاني بين الحوثي وعلي صالح من فراغ.. فبرغم عدم وجود اي قواسم مشتركة متطلعة نحو الخير للشعب، إلا أن الذي يجمعهم يكمن في تطلعات ذو طبيعة موحدة من حيث استحالة تحققها بغير الحديد والنار.
إن هذا التحالف والقائم اساسا على الشر كان قد بني ابتداء على أمرين مثلا نقطة التقاء بينهما:
الأمر الأول يتمثل في إرادة وتطلع كل منهما للسيطرة على السلطة والحكم دون اعتبار الشعب وكونه هو مصدر شرعية السلطة، ومن طبيعة هذا الأمر نتج الأمر الثاني: والمتمثل في رغبة كل منهما في الانتقام من الشعب الذي أبى أن يُفرض عليه الأمر الأول، بل أصر إلا أن يحتفظ بحقه في السلطة والحكم، باعتبار أنه المصدر الوحيد لشرعية السلطة وهو القوة الشرعية الوحيدة المخولة باختيار الحاكم وعزله.
تطلعات الحكم القهري للشعب ورغبة الانتقام منه كانا أساس بناء تحالف الشر بين صالح والحوثي.. ولما كان فرض الحكم القهري على الشعب لا يمكن تحققه كواقع إلا بالحديد والنار، لذلك لم يدخر لا صالح ولا الحوثي أدنى جهد في إشعال النار واستعمال الحديد.
إنه تحالف شيطاني من الدرجة الأولى باعتبار إن الشيطان يعود بطبيعة خلقه إلى أصل النار، ولأن (شياطين الجن والإنس يوحي بعضهم إلى بعض) باعتبار آخر.
إن رغبة الانتقام من الشعب تمثل محور سلوكيات الحوثي وصالح... لابل وقبل أي شيء آخر هذا الانتقام يعود في جذوره الى رغبة في الانتقام من ثورة 26 سبتمبر 1962م وثورة 11 فبراير 2011م.. ذلك أن ثورة سبتمبر كانت قد اسقطت النظام الأسري المتخلف الذي تنتمي اليه جماعة الحوثي.. بينما ثورة فبراير اسقطت نظام اسرة صالح.
إن هذه الرعبة عند الحوثي وصالح في الانتقام من الشعب هي في الحقيقة رد فعل موحد لفعلين اصليين قام بهما الشعب، أعني ثورتي سبتمبر وفبراير..
وبالطبع لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار السلطة والحكم كحق أصيل لشعب ما إلا حين يكون هذا الشعب ذا سيادة مستقلة ممثلا القوة الشرعية الوحيدة المخولة باختيار الحاكم وعزله، كون الشعب هو وحده صاحب السلطة ومصدرها وما السلطان أو الحاكم سوى وكيل له في هذا الحق. ولعل ابرز ما يتجسد به هذا الحق الشعبي كواقع إنما يكون في الدول الجمهورية المستقلة والقائمة نظمها على قاعدة الديمقراطية.
ومن منطلق هذه الرؤية النظرية وعزم الشعب أو نخبة منه في تخليقها إلى واقع فعلي تبلورت الثورة (سبتمبر وأكتوبر وفبراير.. )
ثورة 26 سبتمبر 62م كان الهدف منها الانتقال باليمن من الدولة الملكية القهرية اللادستورية إلى الدولة الجمهورية.. من دولة الملك المتمثلة بالفرد القاهر للشعب، إلى دولة الجمهورية المتمثلة بحركة الجمهور في الشعب.. كما أن ثورة أكتوبر المجيدة مثلت استعادة سيادة الشعب على نفسه ووطنه بفعل الاستقلال عن ومن المحتل.
كانت الجمهورية هي الهدف الأسمى الذي انتفض اليمنون وفجروا لأجله ثورة سبتمبر 62 في الشمال… على أن الاستقلال كان هدفهم من تفجير ثورة اكتوبر 63م في الجنوب.
لم تكن الدولة المدنية الحديثة والتي ابرز ملامحها النظام الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة قد تبلورت كفكرة بارزة وهدف من اهداف ثورتي سبتمبر واكتوبر.. بقدر ما كان النظام الجمهوري والاستقلال الهدف الأول في وعي الثوار... وإن كانت هذه الثورات قد هيئت بالفعل الأرضية الخصبة للدولة المدنية الحديثة وبذرت بذرتها الأولى، باعتبار النظم الجمهورية والاستقلال أقرب إلى الديمقراطية من حيث التحقق لا من حيث الحصر والوجود.
في هذه الأرضية التي كان قد هيئها رجال الحركة الوطنية الأولى هب الشعب اليمني مرة أخرى مفجرا شبابه ثورة 11 فبراير 2011م المجيدة ليسقي ومازال بدمائه الزكية غرس ما بذره آباؤهم… متطلعين بهذه الثورة إلى تحقيق الدولة المدنية الحديثة والتي أبرز معالمها الديمقراطية..
ربما لست مخطئا إن قلت ان ثورتي سبتمبر واكتوبر انعكاس عن ثورة في الشعور اليمني، على أن ثورة فبراير تعد انعكاس عن ثورة في الوعي اليمني.
وعلى كل، هكذا ستجد أن هذه الثورات الثلاث قد مضت مجتمعة نحو تحقيق الدولة المدنية الحديثة. بتحقيق أهم اركانها المتمثلة في الجمهورية والاستقلال والديمقراطية.
ثورة سبتمبر أسقطت النظام الإمامي ـ والذي تعد جماعة الحوثي امتدادا له ـ فتحققت بسبتمبر الجمهورية الدستورية. وثورة أكتوبر دحره المحتل البريطاني وتحقق بها الاستقلال، وثورة فبراير اسقطت نظام الاستبداد الأسري والحزبي والذي يعد علي صالح رأسه، غير أن ثورة فبراير لم تزل وستبقى مستمرة حتى تحقق الديمقراطية ليكتمل بها بنيان الدولة المدنية الحديثة.
ما نشهده اليوم من تحالف جماعة الحوثي وصالح هو مجرد تلاقي الإرادات الشيطانية المتطلعة إلى قهر الشعب.. إنها إرادات ونفسيات الساقطين بالثورات ومن ثم المنتقمين من رجال هذه الثورات.
وفي النهاية التي لم تنته، إنه الكيد العظيم ضد الدولة المدنية الحديثة حيث تغدو الفاعلية لجمهور الشعب والسيادة لسلطة القانون.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها