الدرس المصري
أجمل ما في الانتخابات الرئاسية المصرية أنها جاءت برئيس كان قبل الثورة سجينا، و عضوا في جماعة محظورة، يطارد عناصرها و تحاصر فعالياتها، بينما حضرات السادة أعضاء "الوطني المنحل" يعبثون بالبلد و ينهبون خيراته و مقدراته كما كان يفعل إخوانهم في الغي في مؤتمر صالح و تجمع زين العابدين و كتائب القذافي،
جاءت الانتخابات الرئاسية المصرية برئيس جديد، يعني لأول مرة يقف ملايين الناس في انتظار إعلان النتيجة التي جاءت لأول مرة بدون تسعات أربع "99%و99"، و فور إعلان النتيجة بدت على وجوه المصريين الفرحة الحقيقية لأنهم يشعرون أن أصواتهم جاءت لهم برئيس من بينهم، و هذا لأول مرة يحدث في أقطارنا العربية و أم الدنيا في المقدمة،
هتف المصريون كثيرا و معهم ملايين الناس من خارج مصر فرحا بفوز الدكتور محمد مرسي برئاسة الجمهورية، و عده كثيرون انتصارا حقيقيا للربيع العربي الذي أزهر و أثمر في مصر عبر الانتخابات التي أطاحت نتيجتها بفلول مبارك و "شفيقـ"هم، و شعر الثوار في كافة ميادين الثورة أن ثورتهم في الطريق الصحيح و هي في المسار الطبيعي لاستكمال إنجاز الأهداف السامية التي من أجلها دفع خيرة شباب مصر أرواحهم، و قال بعضهم إن فرحته بتلك النتيجة تعدل أو تزيد عن فرحته بإعلان مبارك تنحيه عن حكم مصر،
قبل يوم من انتخابات الإعادة قالت إحدى الصحف التابعة للفلول: سنضع حدا للربيع العربي، و على ما يبدو كانت الصحيفة و من يقف وراءها متفائلين بإمكانية فوز شفيق بعد ما لاحظوا انقسام في بعض القوى المحسوبة على الثورة، خصوصا تلك التي لا ترى الثورة إلا من زاويتها هي، و على قاعدة يجب أن تتنازل لي كي تثبت أنك ثوري! و هذا منطق عجيب و له أشباه و نظائر في مختلف الثورات العربية و غير العربية،
المشهد الذي صاحب إعلان النتيجة كان في غاية الروعة، و كانت فرحة الجميع تلقائية و معبرة عن الانتصار الذي تحقق بفعل صمود الثوار و مواقف الأحرار الذين أبوا إلا أن يحموا الثورة بأصواتهم و ضمائرهم و إصرارهم على انتزاع الحق، وواصلوا النضال و الكفاح و الثبات في الميادين من أجل حماية الثورة و استعادة الشرعية من أيادي حاولت و-لا تزال تحاول- ان تصادر السلطة او بعضها على الأقل لصالح المجلس العسكري الذي جاء بإعلانه المكمل بعد شعوره أن المعركة الانتخابية تسير لصالح الثورة و المرشح مرسي،
و كان للتحالف و التعاون و التآزر فيما بين القوى السياسية و الثورية خلف الدكتور مرسي أثره الإيجابي في أوساط الشعب المصري بعد ما لاحت مؤشرات القطيعة و الاختلاف فيما بينهم، بيد أن قوى الثورة أدركت الخطر الكامن وراء انتزاع المجلس العسكري من خلال البيان المكمل لصلاحيات الرئاسة لصالح المجلس، و هو ما يعني تهديدا حقيقيا للدولة المدنية الديمقراطية برمتها و ليس للرئيس القادم وحده. وبالفعل كانت تلك القوى عند مستوى المسئولية الوطنية و التاريخية و هو ما أهلها لاستلام الانتصار التاريخي بانتخاب أول رئيس للجمهورية من صفوف المواطنين العاديين لأول مرة في تاريخ مصر،
ان فوز الدكتور مرسي برئاسة مصر يعني أن الثورات العربية في طريقها لإنجاز أهدافها السامية، مهما واجهت الثورات هنا أو هناك من عقبات و معوقات عراقيل قد تنجح فلول الأنظمة البائدة في استزراعها لفترة زمنية لكنها لن تصمد طويلا أمام إصرار الثوار على تحقيق الأهداف التي خرجوا من أجلها و صمودهم في ميادين الحرية و الكرامة حتى تتحقق كل اهدافهم.