قد تبين الرشد من الغي يا حوثي
لطالما اعرضت يا عبدالملك عن الإصغاء الى صوت العقل والمنطق حين ناداك الى الحوار.
غرتك القوة العسكرية التي صارت تحت يديك ويدي علي عبدالله صالح، وبالفعل صرت أنت بفعلها الأقوى عسكريا بين كل الخصوم في الساحة، خصوصا وغيرك ليس تحت يديه مثلما تحت يديك.
لطالما ناداك كل العقلاء للاحتكام إلى منطق الحوار، غير إن أصوات قذائف المدافع والدبابات التي كنت تفجرها في كل مكان حجبت هذا النداء من أن يصل إلى أذنيك…
(قد تبين الرشد من الغي).
وفي قضية إشكاليات السلطة فأن الرشد هو منطق الحوار، والغي هي القوة والغلبة.
إن معادلة الحوار في المنطق السياسي الراشد لا يأتي من بين نتائجها من هو مهزوم ومن هو منتصر.. هذه النتائج إنما تأتي فقط من معادلة القوة في ساحات الغي والحروب.
ساحات الحوار في قاعدة المنطق الراشد هي الطاولة المستديرة حيث يرى الجميع، فتأتي نتائجها بمثابة إجابات عن سؤال ما المصلحة؟ أو ما الأفضل؟ أو ما الحل الأقرب إلى الصواب؟. بينما قاعدة القوة تأتي نتائجها من ساحات الغي والحروب كإجابة عن سؤال من الأقوى؟
بالتأكيد كنت تعلم جيدا يا عبدالملك أن القوة العسكرية كفيلة بإيصالك إلى أعلى هرم السلطة.. لكن الذي كنت تجهله تماما هو أن الحرب سجال وأن الوسيلة التي صعدت بها إلى الأعلى هي نفسها الوسيلة التي ستسقط بها إلى الأسفل..
لست أدري يا عبدالملك كيف بلغ بك غرور القوة إلى درجة الاعتقاد أن غيرك لابد وأن يهزم في أي معركة تخوضها معه... ولا كيف تسلل هذا المعنى النفسي الزائف إلى أعوانك ومتبعيك…؟ هذا ما كنا نفهمه منك ومن متحدثيك على منابر الإعلام.. حتى بلغ بأحدهم الغرور الزائف إلى القول أن نظام آل سعود سوف ينتهي على أيدينا وهو يعيش لحظاته الأخيرة..
أخترت من أول لحظة يا عبدالملك أن تسلك سبيل الغي وتنتزع نتائجك من معادلة القوة. إنني أتذكر الآن خطاباتك التي كنت تتلوها كلما حقق محاربوك ما تحسبه انتصارا لك… أتذر كيف كانت (تمر بك الأبطال كلمى هزيمةً **** ووجهك وضاحٌ وثغرك باسمُ).
ثم ماذا بعد يا عبدالملك .. كيف شعورك الآن وأنت في خضم معادلة القوة بعدما تبين الرشد من الغي؟
سيان أنت وعلي عبدالله صالح في هذا السبيل ولا فرق.. ولستما وحدكما، بل كل طغاة وفجار ومجرمي العالم ممن ألبسوا شعوبهم لباس الجوع والخوف أتخذو هذه المعادلة منهجا وسبيلا…
وأما الآن فذق أنت وجنودك من نفس مرارة الكأس الذي أسقيتم به أهلك.. غير أن مسقيكموه هنا لا تراه من أهلك بل من تراه عدوك...!
لعل الحيرة والغرابة قد أذهلتك يا عبدالملك وأنت ترى قوة ضاربةً لدول أخرى وهي تضرب محاربوك في اليمن.. لكنها لم تأخذك أدنى حيرة من قبل وأنت تجر الشعب اليمني بكل حروف الجر من وعن وفي وعلى وإلى الحرب الأهلية..
لا مجال لأي حجة نحاول بها الدفاع الآن… نعم والف نعم، كل الحجج متهافتة…… ليس هناك أي صواب في قول قائل أن الحوثيين وإن استخدموا القوة العسكرية ضد جزءا من الشعب إلا إن الحوثي وجنوده يمنيون..على عكس استخدامها من قبل السعودية وبعض دول العرب ضد جزءا من الشعب اليمني.
إن هذه الحجة الضيقة بالإمكان فظها بمجرد توسيع دائرة شعور الانتماء ورفعه من درجة الشعور الشعوبي إلى درجة الشعور القومي أو حتى الأممي والإنساني والذي هو أوسع دوائر الانتماء رغم كونه أبعدها عن التحقق… لتكون النتيجة كالتالي: ما الفرق بين استخدام القوة من يمني ضد يمني، وبين استخدامها من عربي ضد عربي...؟ فقط لإزالة هذا الفرق ارفع دائرة شعور الانتماء من المستوى الشعوبي إلى المستوى القومي. بل حتى إلى المستوى الإنساني لتصبح المحاكمة أخلاقية محضة وفق سؤال الأخلاق: من الظالم الفاجر؟
إن الظلم والفجور مسألة أخلاقية بامتياز تمس الإنسان بما هو إنسان دون أي اعتبار لوطن أو دين أو جنسية أو قانون.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها