بدل الفرقة حديقة وبدل الحرس مستشفى !!
قبل عقد ونصف تقريبا كانت مدينة عدن قد سبقت العاصمة صنعاء بسلسلة انفجارات أقضت مضاجع السكان, وأحالت سباتهم وليلهم إلى ساعات رعب وهلع لم تنته وتزول حتى بعيد انتهاء أخر قذيفة صاروخية متفجرة في مخزن معسكر المدفعية (سبأ) الواقع في نطاق مدينة البريقة، لم يمض وقت حتى انفجر مخزن جبل حديد المهيب والعتيد بكل ما فيه من مخزون حربي كفيل بتسطير ملحمة عسكرية تاريخية كتلك المدونة باسمي ستالينجراد أو السويس.
لم يتوقف هذا المسلسل المرعب على محافظة عدن؛ بل مدينة الضالع – أيضاً- أخذت نصيبها قبل ثلاثة أعوام أو يزيد، ولا أعتقد أن المدن اليمنية الأخرى بمنأى عن هذا الرعب الكامن في كل مدن البلاد ، وليس العاصمة صنعاء سوى آخر المدن المنكوبة بهذه الانفجارات الناتجة عن تفجر قذائف الفرقة الأولى.
لا أخفيكم أنني لم أعد أكترث ما إذا الانفجار سببه تماس كهرباء أم يد عابثة قاصدة زعزعة السكينة؟ أم خلفها جريمة سرقة يجب محو أثرها أم.. أم ؟؟ فكل ما أنشده اليوم هو أن تكون حادثة الفرقة نهاية حاسمة لمسألة شائكة ومؤرقة تتمثل في إخراج الجيش وترسانته الحربية ليس من صنعاء العاصمة؛ وإنما من عدن وتعز والحديدة وحضرموت وذمار وإب وأبين وشبوة والبيضاء والضالع وغيرها من المدن الرئيسة الضائقة والمنهكة بوجود هذه الألوية والفرق والمناطق العسكرية.
ناشد أمين العاصمة صنعاء عبد القادر علي هلال الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية بإصدار توجيه حازم بإخراج معسكرات القوات المسلحة التي تتمركز بين الأحياء السكنية إلى خارج العاصمة صنعاء كونها تشكل خطراً كبيراً على حياة المواطنين.
وبحسب وكالة "سبأ" فقد أكد أمين العاصمة هلال أن المجلس المحلي لأمانة العاصمة سيطالب بشكل رسمي بإخراج تلك المعسكرات دون استثناء أو تفريق وتحويل مساحات تواجدها إلى مصالح عامة من منتزهات وحدائق, ومدارس ومستشفيات ومبانٍ حكومية وخدمية.. وقال اللواء علي محسن صالح قائد الفرقة الأولى مدرع سبق له التأكيد على استعداده لتسليم مساحة المعسكر كي يقام فيها مستشفى أو مصلحة.
وأضاف "فوجئت أنا ووزير التربية والتعليم وعدد من المسئولين وجمع من المواطنين ونحن نحتفل بتكريم طلابنا الخريجين الأوائل في مدارس النهضة بجوار أحد المعسكرات بسلسلة انفجارات عنيفة ترمى بشظاياها في كل الاتجاهات".
مسألة إعادة تموضع ونشر القوات المسلحة بعيداً عن العاصمة والمدن والأماكن الحيوية المأهولة بالسكان والنشاط التجاري والاقتصادي وكذا المرافق والمؤسسات الخدمية والإدارية بلا شك ظلت قضية القضايا ، فمنذ التوحد عام 90م ونقل المعسكرات وتنظيم حمل السلاح قضيتين وطنيتين لا مكان لهما في واقع التنفيذ.
فمازلنا نتذكر الآن كيف أن الرئيس المخلوع مثل ولزمن طويل عقبة كؤودة أمام مطالبة قيادة الحزب الاشتراكي حينها بإخلاء المدن من الجيش وترسانته الحربية؟ لكنه وبعد إقصائه لشريكه عسكرياً لم يعد يلقي بالاً أو يستشعر بفداحة المأساة والكارثة نتيجة لهذه الترسانة المتكدسة في العاصمة والمدن بدلاً من وجودها في الحدود والأماكن العسكرية والسيادية.
اليوم وبعد كل ما حدث من خراب ودمار واقتتال وانقسام ورعب وفزع ينبغي الإسراع في هيكلة القوة وإعادة تموضعها, وتوزيعها وفقاً ومهمة هذه المؤسسة الدفاعية وبناء ومقتضيات وطنية عسكرياً ومهنياً ونوعياً ودستورياً وسيادياً.
نعم سأضم صوتي هنا إلى كل صوت مطلبه إخلاء المدن من السلاح، إنها ذات المطلب القديم الجديد الذي سبق للحزب الاشتراكي وشركائه طرحه بعد تحقيق الوحدة وأثناء الأزمة السياسية وبعيد الحرب، والآن نجد أنفسنا إزاء تلكم المشكلة القديمة، وآن وقت الحسم الآن وقبل أن تصير المشكلة معضلة كبيرة في قادم الزمن.
تصوروا صنعاء خالية من معسكرات الفرقة والحرس! فكيف ستكون عدن منطقة حرة منافسة لدبي وجيبوتي وجدة فيما هي مكبلة بفيالق عسكرية من كل ناحية ؟ كيف ستكون تعز عاصمة ثقافية فيما تلالها وهضابها وأهلها تحاصرها ثكنات الكتائب وأطقم الجُند؟ كيف ستحتفي مدن اليمن بأعياد الثورة والوحدة؟.
وكيف سيشعر ناسها بالسكينة والتفاؤل؟ فواقع الحال يرفل بالخوف والحزن؛ فهل آن الأوان لأن ننشد ونغني مع الفنان السوداني محمد وردي: بدل السجن مستشفى؟ أظن أننا جميعاً بمسيس الحاجة لأن نشدو: بدل الطلقة وردة، بدل المعسكر حديقة، بدل الرعب أمان، بدل الفرقة جامعة، بدل الحرس ملهى أطفال.