الإصلاح وجواب زيد وباعوم إلى بقية القوى
في هذه المرحلة التاريخية الحرجة المليئة بالمحلقين الذين يريدون تقسيم اليمن وقتل أبنائه، لولا وجود شبه الدولة بما تمثله من حكومة وجيش مؤيد للثورة. ولولا وجود التجمع اليمني للإصلاح، فإنني لا آمن على حياتي يوماً واحداً في صنعاء، ولا أثق بقدرة بقية القوى على حماية الناس.
ماذا يعني أن يتعرض الإصلاح لحرب إعلامية وميدانية شرسة ويتعرض أنصاره للاعتداء في الشمال والجنوب والشرق والغرب من صعدة إلى عدن إلى شبوة، من قبل الحوثيين والمطالبين بالانفصال وحلفائهم من بقايا النظام السابق؟.
أين بقية القوى التي نتشارك معها الحياة السياسية والدعوة إلى الدولة المدنية، أين الحزب الاشتراكي اليمني وأين الحزب الناصري الوحدوي وأين بقية القوى ودعاة السلام والبناء؟.
لا نشكك بهذه القوى، ولكنني أتصور أننا أمام أخطار تهدد الوجود الإنساني على هذه الأرض من أساسه، ولا تستهدف حزباً دون آخر، ولا تياراً دون آخر، بقدر ما تراقب الأولويات، على عكس بعض القوى الوطنية التي تبدأ أولوياتها عن طريق تحييد نفسها أو الانجرار في مهاجمة الإصلاح لإشباع أنانية الماضي وأحقاده الكثيرة.. قبل غزو العراق كان التيار الليبرالي ممثلاً بعلاوي يجد نفسه محيداً وواقفاً ضد النظام العراقي قبل الاحتلال، وبعد أن وقع الفأس بالرأس ودخلت ميليشيات إيران لإبادة العراقيين ولم تفرق بين ليبرالي وسلفي.. هنالك وجد هذا التيار نفسه معارضاً للنظام الجديد وأصبح لا مقارنة بين استبداد صدام المزعوم وعاصفة الذبح الطائفي العمياء.. واسألوا العارفين.
ونحن نخشى على أيٍ من القوى اليمنية الوطنية أن تواصل القمار نكاية بالإصلاح، ثم لا تصدق إلا “ولات حين مناص”.
ولنقف مع تطورين هامين، يتمثلان بتصريح للأمين العام لحزب الحق حسن زيد، والثاني يتعلق بالزعيم حسين أحمد باعوم.. الأول يصف دعوة الحوثيين إلى التحول إلى حزب سياسي، بأنها “استحمار” ويحذر من التطبيع مع القوى السياسية المسيطرة.. ويقول: إثارة القضية (مطالبة الأنصار بتشكيل حزب) استحمار يقصد به خلق معركة داخل الأنصار يشتغلون بها وينقسمون بين دعاة التطبيع مع القوى السياسية المسيطرة على المركز وبين المستغرقين في التفكير في مواجهة التحديات التي يواجهونها”. ويضيف: "حاجة الانصار إلى تشكيل حزب سياسي ستنبع من اتخاذهم قرار المشاركة في الانتخابات بقائمة حزبية ورغبتهم في الحصول على موافقة لجنة شؤون الأحزاب على مشاركتهم والحصول على الدعم المالي المخصص للأحزاب ولكنهم ليسوا بحاجة، فبإمكانهم المشاركة في الانتخابات بقائمة مستقلة يدعمها «السيد» بنداء التصويت لها أو تحالف، غير ذلك ليسوا بحاجة، بل العكس، هم الآن أوسع من حزب لأنهم يمثلون تياراً عريضاً قابلاً للتوسع بسرعة مذهلة!!”.. انتهى كلام زيد.
أعتقد أن هذا رد كاف وشاف لمن يطالبون الحوثي بتشكيل حزب، نقرأ فيه العديد من الرسائل: أولاً درجة الثقة في قوة اللاشرعية، وثانياً، الخوف من الشرعية السياسية، وثالثاً، الإيمان بأن وضعهم المسلح سيمكنهم من التوسع بسرعة «مذهلة»، ورابعاً أن هذا الحديث يأتي من سياسي معتدل على الحسابات المعروفة، وخامساً أن حسن زيد من أصدق الإماميين والبقية يؤمنون بأبعد مما يقول، لكنه صرح بدون قصد.
أما الوقفة الثانية فهي مع تصريح للمناضل الحراكي حسن أحمد باعوم، الذي يعتبر أعلى هرم للحراك بشقه التشطيري في الداخل.. حيث يقول: تحقق حلمنا في انعقاد المؤتمر الوطني الأول للمجلس الأعلى للحراك السلمي لتحرير الجنوب الذي أقر وثيقة الاستقلال لأول مرة منذ نصف قرن...” (الرجل يناضل لتحرير الجنوب من الاحتلال الاشتراكي والاحتلال اليمني)!.
ويقول: “كانت رحلتي من أجل التحرير والاستقلال طويلة ومضنية، وكان خوفي من الأحزاب التي يمننة الجنوب أكثر خوفاً من الاحتلال اليمني، فالاحتلال اليمني لابد له من نهاية وسيطرد من وطني شر طردة، ولكن ظل الخوف من إعادة ثقافة الماضي اللعين، ثقافة الاقصاء والإشاعة ومحاكم التفتيش وغيرها. فتركز نضالي في طرد الاحتلالين، الاحتلال اليمني، والاحتلال الثقافي الأسود”. انتهى حديث باعوم.
إذن، نحن أمام معركة وجود وهوية وطنية لا تستثني أحداً.. فماذا تبقى يا رفاق المدنية والنضال؟. يدكم بيد الدولة، بيد الإصلاح وكل القوى الوطنية، ومن أراد لهذا البلد استبداداً جديداً أو حرباً لنقف صفاً واحداً لوضعه عن حد معين. حتى معارككم المشروعة مع الإصلاح ستكسب الصف الوطني إذا تخلت عن المناكفة بالدفاع عن الحوثيين وأصحاب الدعوات التشطيرية.
مع التأكيد على أن الحرب في صعدة هي قرار يمتلكه الحوثي وحده، باعتباره من يحمل السلاح، والمطلب الذي لا يختلف عليه عاقلان وطنيان هو دولة مدنية ومواطنة متساوية، لا تحتاج إلى فصيل مسلح ، ولا مجال للمقارنة بين تنظيم ومشروع حكم مسلح وبين الآخرين.