الحوار .. مستهل يمن جديد أم فاتحة يمن قديم ؟!
في ندوة نظمها منتدى ( وعي ) بيت اليزيدي مديرية دمت عصر الاحد 14أكتوبر ؛ كان أحد شباب المنطقة قد سأل العبد الفقير السؤال التالي : ماذا تتوقعون من مؤتمر الحوار الوطني في ظل تركيبته المختلفة وغير متجانسة ؛ بل والمتصارعة فيما بينها في كثير من القضايا ؟.
سؤال بلا شك وجيه ومناسبته الندوة المنعقدة تحت شعار ( الحوار الوطني آمال وتحديات ) ، بكل تأكيد الواحد منا ليس بحاجة لملكات خارقة كي يدرك بان الحوار الوطني القادم يستلزمه تسوية الطريق الممهدة لتحاور الفرقاء السياسيين ، وعندما بضرورة تهيئة المناخات السياسية والوطنية ؛ فلأننا نعلم بطبيعة وحجم المشكلات المجتمعية العالقة دون حل ومعالجة .
فسوى نظرنا جنوبا أو شمالا فهناك ثمة مشكلات قائمة يصعب تجاوزها والقفز عليها ، فكيف إذا ما قلنا بان المعضلة الحقيقية لم تعد مقتصرة على قضية واحدة بعينها ؟ لذا بلادنا هي اليوم تقف على عتبة تاريخية مفصلية ، وينبغي للحوار الوطني أن يكون عند مستوى المهمة التاريخية الكبيرة الملقاة على كاهله وفي ظرفية انتقالية استثنائية لا تحتمل المزيد من التعقيد والتجاذب والتأزيم .
فالحوار وفق اعتقادي يجب أن يكون من أجل المستقبل الذي ننشده لنا وللأجيال القادمة ، حوار لنقل اليمنيين من حالة الصراع والتناحر والتفكك والاستئثار القبلي والمناطقي والجهوي والطائفي وغيرها من الممارسات الضارة والوائدة لروح المواطنة الواحدة والوطن الواحد الذي مازال حلما وتطلعا ننشده جميعا .
فكل ما هو متاح الآن لا يشفع لنا القول بان الحوار الوطني يمضي بخطوات ثابتة ومطمئنة ، فالناظر في مجمل العملية التحاورية سيجدها تعاني من ارتباك وضغط وسوء تقدير لماهية النتائج الكارثية المحتمل وقوعها في حال بقى التنازع والخلاف منصبا في خلافات ماضوية التي أخذت لها مساحة من زمن وفعل المتحاورين .
فما نراه ونسمعه اليوم لا يدعونا للاطمئنان بكون الحوار الوطني القادم سينجح في بلورة وصياغة اليمن الجديد ، فكما هو معلوم بان الحوارات الوطنية يستلزمها عادة ثلاث مسائل مهمة واساسية : إرادة سياسية قوية ، ونية صادقة متوافرة في كافة فرقاء التحاور ، ومجتمع وزمن قابلين ومهيئين للحوار الوطني ولنتائجه ومخرجاته .
لنتحدث صراحة ولنسأل : هل الحوار الوطني القادم غايتها استشراف المستقبل ومشكلاته وتحدياته وآماله أم أن الحوار ليس إلا إعادة انتاج الماضي واستجرار تواريخه وصراعاته وثاراته وخلافاته ؟ أسأل ثانية وثالثة : أين موضع اليمن الجديد من اليمن القديم ؟ أين شركاء التوحد وأين فرقاء الحرب من شراكة الحوار والحل والمستقبل ؟ .
منتهى الكلام اليمن ليس ببقرة حتى نتشاطر لحمها على طريقة الشيخ الحزمي : ثلاثة ارباع سلطة وثروة للجنوب والجنوبين والربع لباقي للشمال والشماليين ،كما أن وحدة اليمن في النهاية هي فعل سياسي انساني نفعي لا يجب اخضاعه لإرادة السماء الالهية المقدسة والايمانية ، فاليمن أبدا لم ولن يكون بقرة صفراء غبراء سمينة كي يقتسمها ويوزعها البعض منا ، كما ولن تكون التجزئة أو التوحد آية منزلة من الرب كي نؤمن بها أو نكفر .
وعليه يمكن القول بانني لا أخشى على هذه البلاد من أية دعوات أو مطالبات جادة وحقيقية ، فهذه الاشياء مهما بدا سقفها مخيفا ومقلقا لكنها مع ذلك ليست بأخطر من هيمنة واستئثار الافكار التقليدية الماضوية على الحوار المزمع وعلى مجرياته ونقاشاته وقراراته المصيرية .
فما من خطر أسوأ من فشل المتحاورين ومن ركوب موجة ثورة التغيير ولكن بعقلية القرون الوسطى ، وبأدوات الحكام والنظم القمعية البوليسية العائلية الفاسدة التي يحسب لها إدارة البلد وبطرق مأساوية وكارثية ممزقة لنسيج المجتمع الموحد مذ قرون موغلة في القدم ، كما وكانت هذه القيادة العبثية مدمرة للدولة المدنية الديمقراطية المستقرة والعادلة والتي للأسف مازالت هدفا وغاية يناضل في سبيلها الكثير من ابناء هذه البلاد .
فبرغم احباطهم وبأسهم مما جرى للثورة والثائرين ؛ إلا أن الامل مازال يحدوهم في الحوار الوطني باعتباره أخر الممكنات التي يأمل منها الانتقال الى الوطن المستقبلي الجامع لكل ابنائه ، فإما أن يكون هذا الحوار مستهلا جديدا لوطن واحد وجديد – ايضا- عنوانه الدولة المدنية العادلة والقوية والمستقرة والمزدهرة ؛ وإما أن يكون الحوار بداية لاستعادة العهد القديم وإن بقالب مختلف ؛ لكنه لا بحول دون تجزئة المجزأ وتمزيق الممزق ، ودون تسليم البلاد والعباد لثالوث الهيمنة والتجزئة والماضي المقاوم اليوم بشراسة وهوادة لكل فكرة حداثية يمكنها بناء المستقبل المنشود وفقا وتصورها الحاضر .