انهيار قاعدة المخلوع
يستطيع أي قيادي في القاعدة أو مناصر لها أو متعاون معها أن ينفي علاقتهم بالمخلوع و بقايا نظامه و الزعم انهم يناصبونه العداء و يعلنون الحرب عليه، لكن ليس بمقدرهم أن يبرروا إقدامهم على خدمته في كل صغيرة و كبيرة من تصرفاتهم؟ كما لا يجرؤ أي واحد منهم على توضيح السبب الحقيقي وراء تغيير إستراتيجيتهم القتالية من الكر و الفر و العمليات الانتحارية المباغتة إلى السطو على المؤسسات و نهب المرافق العامة و سلب الممتلكات العامة و الخاصة و السيطرة على مناطق بأكملها، و العمل بكل ما أوتوا من قوة و دعم على توسيع مساحات سيطرتهم شرقا و غربا و شمالا و جنوبا،
و سيظل السؤال اللغز المحير: كيف كان معسكر الأمن المركزي المجهز بكامل العدة و العتاد العسكري و الأمني و البشري أول المنسحبين؟ و كيف جاءت التوجيهات "العليا" بالانسحاب و ترك الأسلحة بمختلف أنواعها بمجرد سماع نبأ أو شائعة تفيد وجود اشتباكات متفرقة خارج مدينة زنجبار!!
و لماذا بدأ العصر الذهبي لعناصر القاعدة يفقد بريقه بعد إقالة "المقولة" من قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية؟ و ما الذي كان يحول دون قيام الجيش بواجبه في بسط هيبة الدولة و قمع الأعمال التخريبية غير المخلوع و بقاياه؟ و الأدلة على ذلك كثيرة.
و مؤخرا لم تجد قيادة القاعدة في أبين شيئا تغطي به هزيمتها الموجعة في اليومين الماضيين سوى القول أن عناصرهم انسحبوا حفاظا على أرواح الأبرياء، و هو ما يجعلنا نتساءل: أين كان هذا الحرص على ارواح الأبرياء و انتم تهلكون الحرث و النسل لما يزيد عن عام و في مختلف المناطق التي تمكنت عناصركم من الوصول إليها سواء من خلال السيطرة عليها أو من خلال العمليات الانتحارية و التفجيرات التي ظلت تنفذها بحق الأبرياء من مواطنين و جنود؟
ما الذي جعلهم فجأة يتذكرون حرمة دماء الأبرياء و هم الذين تسببوا في قتل المئات و تشريد عشرات الآلاف من مساكنهم؟ هل كانت دماؤهم مباحة حين كانت القاعدة قادرة على الضرب و النهب و السلب و تخريب الممتلكات و السطو على الأموال و المؤسسات، و حين صارت فلول القاعدة عاجزة عن المواجهة صارت تلك الدماء و المساكن تحظى بحرمة و تستحق أن يشفق عليها بقايا قاعدة المخلوع؟
ما لا تريد القاعدة و نسختها المطورة "أنصار الشريعة" أن يعترفوا به أن ثمة هزيمة ساحقة لحقت بهم و أطاحت بإمارتهم "جعار" التي سموها "وقار" لكنهم أحالوها إلى "دمار"، و إن مواصلة الجيش و اللجان الشعبية لتطهير ما تبقى من مناطق أبين من فلولهم أذهلهم و أفقدهم تماسكهم، و جعل الغالبية منهم يفضلون الفرار و الهرب إلى أوكارهم تحت مبرر الانسحاب الذي غطوه بـ"الحفاظ على أرواح الناس"،
المؤكد أن ثمة إرادة قوية لدى القيادة السياسية و العسكرية و عزيمة و إصرار لدى الجيش و اللجان الشعبية على تطهير كل شبر من فلول القاعدة التي عاثت الفساد و الخراب لما يزيد عن سنة حصلت فيها على الدعم و الإمداد و التمويل الذي لم يكن بحسبانها من قبل بقايا نظام المخلوع، تجلى في تسليم معسكرات الأمن المركزي و مؤسسات الدولة الأمنية و العسكرية و الخدمية، بالإضافة لما تكرم به القائد السابق للمنطقة الجنوبية من دعم و إسناد و إمداد ظل دائما يشكل عامل الحسم لصالح القاعدة و زعيمها القابع في صنعاء يهدد و يلوح بالحرب الأهلية تارة و بسقوط المحافظات في يد القاعدة تارة أخرى.
و لعل من المصادفات أن يتزامن حدث استعادة اللواء الثالث حرس جمهوري من أيادي العائلة و المتمردين الذين يعملون لصالحها مع الانتصارات المتتالية للجيش و المواطنين على فلول القاعدة و تطهير أبين من عناصرها، في تأكيد واضح على أن المخلوع في هذه اللحظات يخسر آخر أوراقه حين ظل يبشر بسيطرة القاعدة على بعض المحافظات في حال سقط نظامه، و حين زعم أن سقوط نظامه يعني حرب أهلية، و كان في كلا الإشارتين معتمدا على ورقتي القاعدة و ووحدات الجيش التي كانت خاضعة لسيطرته، لكن هاهي قلاعه الأخيرة تتصدع أمام إرادة اليمنيين جنودا و مواطنين و صبرهم و بفضل ثورتهم التي عرت نظامه ثم أسقطته، و كشفت أوراقه ثم أحرقتها و رمت به و بها في مزبلة التاريخ.