طائر الإرهاب في اليمن
الإرهاب في اليمن طائر عملاق بجناحين مختلفين، وعلى الرغم من هذا الاختلاف الجذري بينهما، فإنهما امتداد لطائر واحد، بهما يطير، ويعلو وينقض على فريسته.
هذان الجناحان هما الحوثي، القاعدة.
تبدو المسافة الفكرية والعقائدية بين هذين القطبين كبيرة، لكن هذه المسافة السحيقة إذا ما تم النظر إليها من زاوية لاحقة لمرحلة الصراع الظاهري، فإنها تتقلص لتصل حد تشكيل بناء واحد يمثل جسد الإرهاب الذي يكون فيه هذا الصراع جزءا من الحركة الإيجابية في مسار حياته ونموه.
نشأت القاعدة في اليمن في بداياتها المباشرة عبر بقايا المجاهدين العائدين من أفغانستان، الحاملين للفكر السلفي الجهادي الذي يسعى –كما يزعمون- لتطبيق الشريعة الإسلامية من وجهة نظرهم، على مبادئ أهل السنة والجماعة والسلف، وقد بدأ التنظيم عملياته العسكرية بالاعتداء على الأهداف العسكرية الأجنبية ثم تطور ليستهدف المصالح الاقتصادية الأجنبية، ثم السياح، ثم ضباط الجيش والأمن اليمني ثم المواطنين المخالفين لهم في الفكر، وفتح ذرائع جديدة لاستهدافهم ليس آخرها الانتماء للفكر الحوثي الذي يقولون عنه أنه فكر رافضي، أشد من الكفر، بما يعني أن المنتمي لهذا الفكر مباح دمه. ويتحركون تحت شعار عام يدعو إلى إقامة الدولة الإسلامية العادلة.
ونشأت الحركة الحوثية كحركة دينية في البداية، تشير الكثير من المصادر إلى أنها ولدت بدعم النظام السابق، لمواجهة التمدد السلفي الذي بدأ يخرج عن السيطرة، ثم ما لبثت هذه الحركة أن تحولت إلى مجموعة مسلحة مدعومة بسند فكري ديني يتمدد في الوسط المذهبي الزيدي، ولكنه يحمل أفكارا جديدة على هذا المذهب متأثرا بصورة كبيرة بالفكر الإثني عشري الموجود في العراق وإيران بصورة أكبر، وقد واجه في البداية الجيش والأمن في ست حروب في زمن النظام السابق، ثم سلسلة حروب لاحقة، انتقل فيها من مواجهة الجيش والأمن إلى مواجهة المواطنين لا سيما الحاملين للفكر السلفي وتحت اسم محاربة القاعدة أو ما يطلقون عليه (الدواعش).
ولكن يحركهم شعار عام يدعو إلى محاربة أمريكا وإسرائيل والتوجه لبناء الأمة الإسلامية القوية.
من خلال الفقرتين أعلاه يمكن أن نتبين ملامح الاتفاق بينهما ثم نخلص إلى كيفية تشكل التكامل بينهما من رحم هذا الصراع الظاهري.
كلاهما جماعتان دينيتان، تأخذان أفكارهما من مذكرات الصراع التاريخي في الحضارة الإسلامية، وكل فرقة تحاول أن تصحح مسار التاريخ –كل بوجهة نظر مختلفة- إلى ما قبل 1300 سنة.
كلا الجماعتين تحملان في شعاراتهما محاربة إسرائيل وأمريكا بوصفهما السبب الرئيسي والمباشر فيما وصلت إليه الأمة من انحطاط.
كلا الجماعتين تقتلان من اليمنيين ما لم تقتل فيه من أمريكا ولا إسرائيل.
كلا الجماعتين تحملان مشروعات خارج حدود الوطن، فهما محمولتان بأبعاد تنظيمية عالمية لا تنظر باستراتيجية في حدود الأوطان الحديثة، بل باستمداد مشاريعهما المستقبلية من منظور تاريخي.
كلا الجماعتين تستهدفان الجيش والأمن حين يقف في وجيهيهما وتتهمه بأنه منحاز للقاعدة من قبل الحوثيين وبأنه منحاز للحوثيين من قبل القاعدة.
فالجيش والأمن حوثي حين يقف في وجه القاعدة، وهو قاعدة حين يقف في وجه الحوثي.
هذه العناصر الخمسة هي أهم ملامح الاتفاق بين الخصمين اللدودين، ولكن ماذا عن التكامل بينهما؟ وكيف يتشكل؟
إن تمدد الحركة الحوثية في التراب اليمني، حمل شعارا مباشرا متمثلا في محاربة القاعدة، ومازالت تتمدد في مناطق جديدة تحت هذا الشعار، وهو ما يعني أن وجود القاعدة يمثل للحركة الحوثية سندا شرعيا يجسد صدق الشعار الذي تنطلق تحته، وبذلك يصبح أي عمل فظيع للقاعدة، أو أي جريمة ترتكبها تصبح عنصر شحن لرصيد الحركة الحوثية الإعلامي ويعطيها المزيد من الزخم لمواصلة التوسع والتمدد والاستمرار في حمل السلاح من أجل حماية الأمن ومحاربة الإرهاب.
وفي المقابل فإن تمدد الحركة الحوثية وهي تحمل طابعا طائفيا صريحا، وتدبيج خطاباتها وعاداتها الثقافية بالعناصر الوافدة والدخيلة على المجتمع التي تؤصل الطبيعة الفكرية الدخيلة على الفكر الزيدي اليمني، فإن ذلك يستنفر وسائل القاعدة في صفوف القبائل اليمنية الحاملة للفكر السني، وتخويفهم من هذا الوافد الفكري الجديد الذي-كما يقولون- «سيقضي على عقيدتهم ويدخلهم في حاضنة التشيع العالمية» فتستنفر القبائل والمنتمون للفكر السلفي ومعهم الكثير من المواطنين الذين تأذوا من التمدد الحوثي وما رافقه من قتل وتدمير وإحراق وتفجير للبيوت، فتستغل القاعدة أي عمل مشين يقوم به الحوثي لتتمدد القاعدة على ضوئه.
من هذا كله يتبين أن الحوثي أصبح ضرورة وجود للقاعدة وأن القاعدة ضرورة وجود للحوثي، ولو لم يوجد الحوثي لأوجدته القاعدة ولو لم توجد القاعدة لأنتج الحوثي داعشا.
لا يمكن لأي فكر أيديولوجي أن ينتشر ويتمدد دون وجود عدو مصنوع ولو كان وهما، فما بالك حين يكون هناك عدو موجود على أرض الواقع فسيحاول الإبقاء عليه ما أمكنه ذلك.
ومن هذا كله يتبين أن القاعدة والحوثي جزآن لجسم واحد وجناحان لطائر واحد لو انقطع أحدهما فسيقط الطائر وينهار.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها