من فرط جبنه لايكذب
هناك نوع من كره الكذب والرياء نابع من معنى حاد للشرف، غير أن نفس الكره يمكن أن يكون محض جبن عندما يكون الكذب محرماً بأمر إلهي من فرط جبنه لايكذب «فريدريك نيتشه “كتاب أفول الأصنام».
« من فرط جبنه لايكذب» لعلك تقرأ المعنى العميق لهذه الحكمة ,ثمة متدينون يكذبون ويقترفون مختلف الرذائل, ألا يدل ذلك على أن التزامهم لم يكن أبداً حكمهم الخاص واختيارهم النابع من شعورهم الحاد بالقيمة وبمعنى الشرف لايكون هناك إلزام للتحريم الإلهي ما لم يتحول إلى حكم شخصي , المسافة بين الأمرين مساحة لنشوء النفاق والرياء، أنت لا تقف بعيداً خارج دائرة القيمة بحيث تقوم بها كمحكوم مقسور لايملك الخيار.
الفكرة الأكثر عمقاً في هذا الطرح , لمن يربي ويعلِّم , ويدعو ويوجِّه , لابد من أن نصبغ الشخصية بالتعاليم , وأن نصل حد جعلها حكمها الخاص ,واختيارها الذاتي الحر , يجب أن لا تظل قانوناً مفروضاً من خارجنا , ولا أوامر نخضع لها بالقسر والإكراه , بحيث يمكننا عصيانها أو الخضوع لها جبناً ورياءً, مداهنة ونفاقاً.
علينا أن ندرك أن طاعة الله والالتزام بأوامره ونواهيه , لا يعني استسلامنا لسلطة أخلاقية خارج الضمير , لأن الله في قلوبنا وفي أعمق أعماقنا , وحياتنا ووجودنا , لذا نحن نخضع لسلطة أرواحنا المفطورة على الفضيلة والخير والحق والجمال , نحن نطيع حكمنا واختيارنا , نختار كمالاتنا نلتزم بشرط إنسانيتنا حيث نجد الله.
وعلى ضوء ذلك يمكن قراءة الحديث الشريف “ الْحَلالُ بَيِّن وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ،وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُتَشَابِهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌمِنَ النَّاسِ،فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِه وَعِرْضِهِ،وَمَن وَقَعَ فِي الشُّبُهَات وَقَع فِي الْحَرَامِ“.
هذه الحساسية تقليب ذاتي , محض اختيار , بدافع قيمي خاص , وحس عالٍ بالشرف وبأصالة الشخصية المتخلقة من هذا المزيج الصاقل للروح والسلوك المتكون من الدين والحس الإنساني الفطري بكرامة العرض وأصالة الشرف.
الجمهورية