حرب جديدة للحوثي في مأرب.. المتاهة تتسع
توسع الحوثي للحديدة قبل أن يفيق الجميع من صدمته بعد سقوط صنعاء، لا يستطيع الحوثي تبرير توسعه بغير إنه يعمل لصالحه فقط كجماعة خارج الدولة وتتصرف باليمن كجغرافيا وليس كشعب ووطن. فهو يستطيع التحكم بالحديدة من خلال صنعاء عاصمة الدولة لكن الحوثي لا يؤمن بالدولة التي يتحكم بعاصمتها لذا ذهب غرباً يبحث عن بحر، استخدم الحوثي في توسعه للحديدة عامل الصدمة لأنه لا يستطيع شرعنة تدخله بالحديدة من خلال لافتة الحرب ضد القاعدة.
ثم اتجه الحوثي جنوباً نحو ذمار وإب ثم شرقاً نحو البيضاء، ليبدأ الحوثي يخرج عن دائرة عصبيته التقليدية بعد ذمار وبدأت المجتمعات المحلية تستشعر خطره وعدم جدوى التعويل على دولة متواطئة. كل هذا والنخبة السياسية اليمنية وأحزابها تتحدث عن تشكيل حكومة وكأن لا شيء يقع خارج العاصمة، ويعد انتهاك صريح لوثيقة السلم والشراكة التي صارت مرجعيتهم السياسية حسب زعمهم.
اليوم الحوثي يدق طبول الحرب على مأرب والنخبة تتحدث عن دستور وكأنه لا توجد نذر حرب على محافظة حيوية سوف تهوي بإوضاع البلاد عند اندلاعها، وسيعاني كل مواطن معاناة معيشية بسبب انقطاع الكهرباء والغاز ومعاناة اقتصادية بسبب ضرب احد أهم المناطق التي تورد لخزينة الدولة بسبب بترولها.
لا تبدو الكارثة المحتملة تعني نخبة سياسية لم تحتج على السفر المهين لمستشاري الرئيس وهم يتوسلون موافقة على الدستور من سيد مران، لأنها ببساطة نخبة مشغولة بقضايا اخرى وأولوياتها لا تخص المواطن اليمني ولا مصلحة البلد العليا مثل حفظ الأمن والاستقرار وضمان مستوى معيشة معقول للمواطن اليمني، هذه أولويات بديهية لا تمر بخاطر نخبة مشغولة بالتمديد للرئيس الكارثة بسبب عجزه وضعفه ودستور لا يستحق قيمة ورقه في بلد تتهاوى دولته التي ينبغي إن الدستور هو ضامن شرعي لاحق لوجودها، لكن الدولة التي لا قوة لها لا تحتاج دستور بل قوة أولا ثم يأتي الدستور كمرحلة أخيرة في توافق مكوناته السياسية على مبادئ عامة تحكمهم.
اليوم القبائل تحتشد في مأرب لتمارس حقها الطبيعي في الدفاع عن أرضها أمام طرف لا يحق له شرعية قتال القاعدة، هذا لو افترضنا حسن نوايا الحوثي وتجاهلنا حقيقة إن قائد القوات الخاصة الجديدة المروني الذي تم تعيينه بطلب من الجماعة هو ذاته الرجل الذي سلم المعسكرات والاسلحة لتنظيم القاعدة في محافظة أبين عام 2011م. ولو افترضنا ايضاً إن قتال القاعدة مثل اسقاط الفرقة الأولى مدرع يعني استهداف معسكرات وهزيمة جنود وفرار قائد.
وجود القاعدة لا يتطلب سوى أمرين بيئة جاهزة لاستقبال فكرة متطرفة، والحوثي سوف يزيد من جاهزية البيئة ليس فقط لأنه سوف يحقنها بحقنة طائفية متطرفة ونشطة بل لأن القبائل هي آخر صمامات السلم الاجتماعي باليمن بعد انهيار الدولة.
كان الشائع تحميل القبائل مسؤولية غياب الدولة وليس تحميل الدولة مسؤولية الضعف المستمر لبنيانها وبينان القبيلة، بالطبع القبيلة كمكون اجتماعي يخالف في بعض مضامينه مفاهيم الدولة الحديثة قد يؤدي لاصطدامها بالدولة، لكن الدولة التي لم تصل للمناطق القبلية بالتنمية لكن بالأموال التي تتلاعب بالقبيلة لم تكن بالتأكيد جادة في بناء دولة حديثة.
هكذا كانت لعبة نظام صالح هو شراء الولاءات وتقويض القبائل القوية وازاحة المشايخ الاقوياء والشرعيين ليس لصالح تقوية الدولة بل لتقوية سلطته وحيدأَ ضمن منظومة الفوضى التي برع في تشكيلها.
اليوم تتجه جماعة الحوثي الدينية لضرب قبائل مأرب ضربة موجعة وهي كانت أخر ما تبقي من جدار صد لتنظيم القاعدة الذي نجح في اسقاط محافظة أبين التي انهكت قبائلها في الصراع السياسي بالجنوب ثم بالتلاعب السياسي بعد الوحدة؛ صحيح إن القبيلة المأربية لا تستطيع معالجة كل اختلالات غياب الدولة بمفردها لكنها تخفف من الآثار الكارثية لهذا الغياب، وأحيان كثيرة تنجح في الحفظ على السلم المجتمعي من خلال اعرافها.
إذا ما غزا الحوثي مأرب ونكل بقبائلها لن تحضر الدولة ولن تغيب القاعدة بل بالعكس سوف تحضر القاعدة كبديل للدولة والقبيلة معاً، وسوف تدفع مأرب ثمناً باهضاً من أمنها وسلامة ابنائها وكذلك اليمن بما فيهم الحوثيين ذاتهم.
المعادلة التي يقدمها الحوثي هي معادلة إحلال جمهورية القبائل بجمهورية الطوائف لن ينجح باليمن، وهي معادلة فضلاً عن رداءتها فهي غير ممكنة التطبيق كذلك. فجمهورية القبائل تظل في الأخير محكومة بما تبقى من اعراف القبائل التي تراكمت عبر الزمن خصيصاً لتجنب الحروب أو وقفها، رغم التلاعب السياسي الواسع لإفساد القبيلة وتقويض الدولة.
أما دولة الطوائف ومحاولة حكم اليمنيين تحت إمرة سيد لا يجيد شيء سوى حمل السلاح ولا يملك سوى شرعية سلالية ومذهبية لا يؤمن بها غالبية اليمنيين فلن تنجح ابداً، لأن المجتمعات المحلية لن تقبل بها طويلاً لكنها تظل مجتمعات محلية وليس مكونات سياسية تسعي لعلاج الأمر داخل العاصمة صنعاء وبالتالي حل جذر المشكلة وهو غياب الدولة، مما سوف يتجه باليمن نحو التفكك.
غلبة جماعة دينية متطرفة سوف يؤدي لصعود مشابهات لها في ذات التوقيت من ذات تيارها أو ضده، والحروب الدينية غير الحروب القبلية. حروب القبائل واضحة المقاصد حيث تندلع لأسباب اقتصادية أو ثأرية، وتحكمها اعراف حرب وسلم. أما الحروب الدينية، فهي تندلع بقصد الهيمنة المطلقة، والهيمنة المطلقة دوماً تخفي مقاصدها التي لا نهاية لها، ولأنها حرب من أجل الله فلا يرى جنودها إن هناك ضرورة للالتزام عرف أو شريعة وهم يقومون بخدمة إلهية لا تقدر بثمن.
الحروب القبلية يظل للكثيرين مصلحة في وقفها بما فيهم شيخ القبيلة الذي يشارك ابنه بالحرب، بينما الحروب الدينية تزدهر وتصبح كالنار التي لا يمكن وقف انتشارها وقادتها البعيدين دوماً عن ساحة المعركة ولا مصلحة لهم في انهائها وتحمل مسؤولية سلم لا يجيدونه لأن الترويج للموت اسهل بكثير من البناء للحياة.
الحوثي لا تنقصه الحماقة ولا ضعف الوازع الوطني لذا سيذهب للحرب في مأرب، الحرب ستندلع والقبائل تقاوم وقد لا تنجح في منعه الدخول لمأرب لكن الحوثي لن تطيب اقامته في مأرب. الحوثي يجيد الحرب لكن لا علم له بالسياسة أو الحكم وسوف يحارب بمأرب اشباح القاعدة منفرداً ولن ينهزم ولن ينتصر في حرب استنزاف طويلة، سوف ينتهي تورط الحوثي بها لأنه كلما توسع اتسعت متاهته واقتربت لحظة سقوطه. المعضلة إن هذه الحرب سوف تستنزف اليمنيين جميعاُ بعد انسحاب الحوثي من معركة هيأ لها نظام صالح وفتح أبوابها الحوثي ولن تنغلق برحيله كما لم ترحل البيئة الجاهزة لاستقبال القاعدة برحيل صالح.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها