احتضار الحراك
لم يخطر ببال قادة الحراك في أسوأ كوابيسهم أن يتراجع مستوى المشاركة الشعبية في فعالية التصالح والتسامح في ال13 من يناير الى بضعة الاف فقط بعد ان ظلوا طوال الأعوام الثلاث الأخيرة يتحدثون عن حشود مليونية في فعالياتهم المختلفة ،واذا ما قارنا وضع الحراك عقب الحشد الغير مسبوق في فعالية أكتوبر الماضية وما نجم عنها من تحديد موعد لإسقاط المدن وطرد الشماليين واغلاق الحدود و.. وبين وضعه بعد الفعالية الاخيرة يتضح ان الحراك في حالة احتضار حقيقي مالم تحدث معجزة من السماء.
-أسباب مختلفة وراء انهيار الحراك وعزوف الجماهير عن المشاركة في فعالية التصالح والتسامح أبرزها:
1- اليأس الشعبي من قيادات الحراك جراء استمرار خلافاتهم وخواء وشكلية التصالح والتسامح الذي ظل مجرد شعار فارغ من أي مضمون طوال التسع سنوات الماضية .
2- الشلل الذي أصاب تيار البيض جراء مرض الرجل وخلافه مع ايران وقلقه من العقوبات مما اثر سلبا على اداءه السياسي في الفترة الاخيرة،يضاف الى ذلك رفض تيار البيض سيطرة الشباب المتمرد على اللجنة التحضيرية للفعالية مما أدى الى تراجع حجم الدعم المالي والحشد الإعلامي للفعالية وهو ما تسبب في عدم مشاركة المواطنين في محافظات لحج والضالع وابين في الفعالية.
3- تبدو لمسات عبدالرحمن الجفري واضحة في افشال الفعالية وفي إيصال الحراك الى مرحلة الاحتضار وذلك في فترة قياسية ،فقد نجح في اقناع الشارع بعدم الجدوى من اقامة المليونيات وعدم اهتمام العالم بمثل هذا النوع من الفعاليات مقابل دعم الجفري بقاء الاعتصام الذي تحول الى ثقب اسود لاستنزف المعنويات والامكانيات المالية لانصار وممولي الحراك ،كما تمكن الجفري بذكاء من سحب أبناء شبوة نحو المكلا في الفعالية الأخيرة وهنا مربط الفرس .
المخرج المتاح :
-هناك من يرى في أوساط شباب الحراك ان المخرج من حالة الاحتضار يتمثل في الإطاحة بالمكونات الموجودة وقياداتها التقليدية وتشكيل مكون جديد يتوحد فيه الجميع ،لكن يظل ذلك مجرد حلم جميل بعيد عن الواقع فمثل هذا الامر معناه احداث تغيير جذري وجوهري وهذا يستغرق سنوات طويلة لحصوله كما انه لن يتم بسهولة وسيجد مقاومة شديدة من القوى التي سيتم على حسابها التغيير ما يرفع من احتمالات الصدام والمواجهة الداخلية .
-في حين يرى البعض في الكفاح المسلح الحل الانسب للخروج من الوضع الحالي لكن يتناسى هؤلاء ان نجاح الكفاح المسلح يحتاج الى عقود من الزمن كما تؤكده حالات سابقة كالجيش الجمهوري الايرلندي وجبهة موروا الإسلامية والبليساريو وحزب العمال الكرديستاني..كما ان اللجوء الى هذا الخيار في ظل تزايد اعداد عناصر القاعدة في الفترة الأخيرة في لحج وعدن وقبلها في ابين معناه اتاحة الفرصة للقاعدة لإسقاط تلك المناطق في يدها .
-ادراك عقلاء الحراك لاستحالة الخيارين السابقين دفعهم للانفتاح مؤخرا على مشروع علي ناصر محمد المرتكز على فيدرالية الاقليمين وتقرير مصير خلال 3-5سنوات لكن يبدو ان علي ناصر في طريقه للتخلي عن مطلب تقرير المصير .
تخلي علي ناصر عن تقرير المصير :
-في مقاله الأخير "في ذكرى التصالح والتسامح التاسعة" تجنب علي ناصر محمد خلال حديثه عن فيدرالية الاقليمين كحل للقضية الجنوبية الإشارة الى انها فدرالية مزمنة ،صحيح ان البعض قد يعتبرها تحصيل حاصل كون الفيدرالية التي اقرها مؤتمر القاهرة محددة بعدة سنوات لكن ناصر تجنب متعمدا ذكرها صراحة في مقاله ما يرجح انها خطوة أولى للتخلي عنها نهائيا وتهيئة الشارع لقبولها في المستقبل المنظور ويدل على ذلك التالي :
1-اشتراط ناصر في مقاله على المؤتمر الوطني الجنوبي -الذي دعا لعقده -لبحث حلاً عادلاً يرضى عنه شعبنا في الجنوب؟التالي :
أ- الابتعاد عن الاوهام وان يكون الحل واقعي يأخذ بعين الاعتبار المصالح الحيوية المشروعة للشعب في الجنوب وفي الشمال على حد سواء .
ب-وفي الوقت ذاته يستعيد مشروع الوحدة المختطفة من وحدة بالقوة والضم والالحاق ويعيدها الى جذرها الأول كمشروع سياسي وطني نهضوي للشعب اليمني كله شمالاً وجنوباً.
-معنى ذلك ان ناصر يريد ضمان عودة الجنوب كشريك حقيقي في السلطة والثروة كما كان عليه قبل حرب 94م .
2-تطرق علي ناصر في المقال الى ما اسماها التجارب الوحدوية والدول الاتحادية الناجحة ( الامارات العربية المتحدة ،اقليم كردستان في العراق،الولايات المتحدة الاميركية، الاتحاد الروسي)والمعروف ان جميع هذه التجارب لم يقر فيها حق تقرير المصير .
-يبدو ان هناك تفاهم تم بين الحوثيين وناصر وبمباركة إيرانية على مسألة الاقليمين دون تقرير المصير والمؤشرات الحالية تدل على ان الأوضاع ذاهبة بهذا الاتجاه ،رغم أن الكثير من السياسيين وبالذات في الشمال -كان اخرهم مستشار الرئيس عبدالكريم الارياني- يجزمون ان فيدرالية الاقليمين هي انفصال مؤجل حتى لو لم يكن هناك تقرير مصير وعندهم حق في مخاوفهم سيما مع وجود قيادات انفصالية انتهازية مرتبطة بالخارج ستعمل جاهدة على دفع إقليم الجنوب بعيدا عن الوحدة ،وسواء اقرت فيدرالية الستة أقاليم او الاقليمين او حتى الثلاثة فإنها في وضع بلادنا المنهار تمثل خطرا حقيقيا على تماسكها ووحدة أراضيها .
الضمانات المطلوبة !!
- في مقال سابق بعنوان "فيدرالية بضمانات او ليلعنكم التاريخ "العام الماضي قدمت مقترحات هدفها الحد من مخاطر الفيدرالية على كيان الدولة على اعتبارها خيارا لا مناص منه بحيث يتم تضمينها في الدستور الجديد كمواد صريحة وواضحة لكيفية الحفاظ على كيان الدولة ومن تلك المقترحات:
1-تجريم اي دعوات او تحركات داخل الاقاليم قد تهدد كيان الدولة الاتحادية واعتبارها خيانة عظمى .
2- منح البرلمان المركزي بغرفتيه وبناء على طلب من عدد من أعضاءه او من رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء الحق في:
أ-إعادة النظر في عدد الاقاليم المكونة للاتحاد او في وضع احد الاقاليم اذا ما ظهرت مؤشرات لفشل التجربة وعجزها عن تحقيق الأهداف المتوخاة منها بما يلبي آمال وتطلعات اليمنيين او اتضاح عدم ملائمتها للواقع اليمني عند بدء تطبيقها.
ب-اعادة النظر في النظام الفيدرالي برمته في حال مثل خطرا متزايدا على كيان الدولة او اخلالا بنظامها الجمهوري ونهجها الديمقراطي .
3-التأكيد على حق رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء في استخدام صلاحياتهم الدستورية بما فيها القوة المسلحة لضمان الحفاظ على وحدة كيان الدولة اليمنية ونظامها الجمهوري .
4-تطبيق الفيدرالية على مراحل وفق فترات زمنية محددة ،بحيث لايتم الانتقال الى المرحلة التالية الا بعد التأكد من نجاح المرحلة الاولى.
5-تشكيل هيئة رقابية عليا من شخصيات وطنية مرموقة(حكماء اليمن ) تتبع رئيس الجمهورية مباشرة ويتم انتخاب أعضائها في اجتماع مشترك للبرلمان المركزي بغرفتيه وبرلمانات الأقاليم تكون مهمتها الرئيسية التقييم الدوري لوضع الاتحاد الفيدرالي و رصد ومتابعة مختلف التطورات في أقاليمه وبحث اي انعكاسات سلبية محتملة على وحدة كيان الاتحاد ونظامه الجمهوري وتحديد الإجراءات اللازم اتخاذها لمواجهتها.
6-منح الهيئة صلاحيات واضحة وصريحة لضمان فعاليتها مثل :
أ- صلاحية النظر في مدى توفر الشروط اللازمة في الطلبات المقدمة للجنة العليا للانتخابات للترشح للانتخابات المحلية والتشريعية ،وتخويل الهيئة صلاحية رفض طلبات من لاتتوفر فيهم الشروط ،بحيث تتمكن من الحيلولة دون تولى شخصيات ذات مواقف وتوجهات انفصالية اية مناصب في السلطة التشريعية في المركز والاقاليم ،وكذا منحها حق الاعتراض على اي تعيينات في المناصب الحكومية لهؤلاء ،إضافة لمنح الهيئة صلاحية مطالبة السلطة التنفيذية والتشريعية في المركز والاقاليم باتخاذ الإجراءات اللازمة لإقالة او سحب الثقة من كل من يثبت تورطه في نشاط انفصالي او صدرت عنه مواقف تمثل خطرا على وحدة الكيان الاتحادي او نظامه الجمهوري .
ب- المطالبة بوقف او معاقبة اي وسيلة إعلامية تنتهج سياسة انفصالية او مناطقية او تدفع نحو إثارة وتفجير الخلافات بين الأقاليم فيما بينها او بين الإقليم والمركز .
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها