الحب في زمن المليشيا (1)
تغمرني حالة انتشاء لذيذ هذه الليلة ..احترست في البدء وانا اقرأ نص رسالتك : بالأمس كنت على مقربة مني ، قلت انك بحاجة لمكاشفتي عن حقيقتك .. على الدوام ظلت حقيقتك لديّ صورة مكتملة لشاب يسكن احلامي ، لكنك تتحدث الآن عن حقيقة اخرى ، مفزعة وصادمة وخارجة كلياً عن سياقات حلم أخذني معه إلى أبعد نقطة في السعادة .
أفقت فزعة متوجسة ..هل هذه حقيقتك ام حقيقة لعبة قذرة يقودها الشيطان لمحاصرتي بعيداً عنك ..لعبة التهمت هدأتي واغتالت غفوة عميقة ربضت على مقربة من جفوني لساعات .
في الليل سيكون «واتساب» مختنقاً برسائل ذات نصوص مطولة ومملة ..عشرات الجروبات تستعر بنصوص لا أحد يقف عندها ..الكل يرسل ، الجميع لا يقرأ والبعض يندهش لنص سبق وقام بنشره دون أن يقرأه ..فيما بعض آخر كسول يأتي متأخراً لصلب نكتة على حائط سبق ان دارت فيه النكتة ذاتها عشرات المرات .
تعز ياسيدتي على مرمى حجر من الفوضى ، لم تخلق الثورة لمدينة خلقت الثورة شيئاً من الحياة او الامان ..تجردت تعز من مخاوفها وأشعلت انتفاضة شاملة اقتلعت رأس السلطة لكنها بعد ثلاثة اعوام تسقط في مائدة جدل كارثي حول الطريقة التي يمكن بها إلحاقها ضمن مربع المدن المنصهرة إلى الأحمر القاني بذخيرة المليشيا
.
أنا على لوحة كيبورد انتشي بغرائبية حالتك وأنت تتوهمين حقيقة اجتاحت روحك في غفوة مسروقة من الوقت ، كيف يمكن لرجل ان يكون لامرأتين دون ان يكون بحقيقتين / لونين / وجهين ، أيتها المسكونة بهاجس حقيقتي، ليست هذه سوى لعنة شاردة على هيئة غفوة من المحتمل انها تأخذ لون حقيقتي .
في «واتساب» يمكن الوقوف عند أشياء كثيرة بدءاً بغرامياتك الحذرة وانتهاء بأخبار المليشيا التي تعد العدة لاجتياح تعز ونسف عشة من احلام صنعتها يد الله في روحينا ، قلت ذات مرة ان سقوط مدينة القاعدة في الفوضى يمثل تهديداً وجودياً لحبنا .. ساعتها كنت أجهل تماماً ما اذا كنت تقصدين تعز ، ام قلبينا !
مؤخراً اكتشفت أن رئتيك تتنفسان رائحة هذه المدينة فكاشفتك : عليك أن تحاذري الرهان على إمكانية التخلي عنك ، تعني لي تعز أكسجين حياة ،وحين أقرر مغادرة عالمنا الحالم الجميل سيكون عليك فهم الأمر على طريقة أم أدمنت الفجيعة ثم تشرعين بدفني تحت رمال احد القبور .
على مشارف مدينة مكتظة بالعاطلين وبائعي الفواكه صادفتك تهزأين برجال عبروا بصمت إلى جامع مجاور تاركين شرفك عرضة لفم أحد الأنذال يلوكه كيفما اتفق ويغرز أنياب سفاهته على جسد أمك المتوفية منذ عقد كامل .. كنت مستاءة ومغمورة بمزيج من مشاعر الحنق والعار ، وبفلسفة لذيذة استنتجت أنه لا فرق بين مرتادي المساجد ومرتادي الحانات طالما أن الله لا يسكن أرواح الفريقين !
أما كائن السفاهة ذو الأنياب المتوحشة فقد صعد مركبته وغادر بعد ما سمع أحدهم ينادي رجال الامن القابعين على مقربة من المكان .
ذات زمن لن يكون بمقدور رجل الأمن أن يفعل شيئاً هو الآخر، مهابة الزي الذي يرتديه انهارت بشكل درامي مفزع ، وصار بإمكان كائن السفاهة ان يغرز أنيابه في جسد رجل الأمن ذاته ويمضي دون اكتراث !
شهد البلد موجة عنف شلت قدراته على المقاومة ، وأحالته الى ما يشبه وحش منزوع الأنياب ، بمقدور مائة مدجج بالذخيرة والهمجبة أن يسقطوا مدينة في أيديهم ويتحكموا في مصائر سكانها أو يعملون على تسويتها بالأرض ثم يرحلون مأخوذين بنشوة سلوك متوحش اقدموا عليه دون الخوف من احتمال التعرض للعقاب مستقبلاً !
على واتساب أقف الآن منتظراً ردك على سؤال طرحته صبيحة الامس ومضيت : ماذا لو أن هاجس الغفوة اللعينة كان واقعياً ويلخص حقيقتي لاغير ، تلك التي عشت على حواف الجهل الأبيض بها لأشهر طويلة من العام الأخير .
أنا في حيرة من أمري ، انتظر ونار الأسى تفتك بي خياراتك القادمة مع انكشاف قناع تدثرت به لأشهر طويلة بدافع الخشية من فقدانك ..فقدانك الذي يأخذ لون القادم الآن ويسحق كل أمل في إمكانية تحقق حلم شاهق أخفيته عنك دون اي حيثيات منطقية، ففي الـ 2015 قررت أن أخلع عني قميص السياسة لكي ارتديك إلى الأبد .