مصير الدولة في اليمن بات مطروحاً
لا يبدو أنّ الوضع في اليمن يحظى بما يكفي من الاهتمام العربي، علماً أن هذا البلد بات مهدّداً. هناك دولة عربية قد لا يعود لها وجود في السنة المقبلة، خصوصاً بعدما صارت هناك «دولة داخل الدولة»، على حد تعبير الدكتور عبد الكريم الإرياني رئيس الوزراء السابق والمستشار الحالي للرئيس الانتقالي عبد ربّه منصور هادي. هناك دولة تتشظّى في اليمن. لدى هذه الدولة حدود برية طويلة مع كلّ من المملكة العربية السعودية ومع سلطنة عمان. الثابت أن اليمن الذي عرفناه لم يعد قائماً. الدليل على ذلك عودة الكلام عن الإقليمين في إطار وحدة كونفيدرالية. وهذا يعني في طبيعة الحال تجاوز ما أسفر عنه مؤتمر الحوار الوطني الذي أقرّ «الدولة الاتحادية» ذات «الأقاليم الستة». لا مشكلة مع الإقليمين أو مع الأقاليم الستّة. المشكلة هل سيبقى شيء من الدولة اليمنية؟. كيف ستتعاطى دول مجلس التعاون الخليجي مع انهيار الدولة في اليمن الذي يمتلك أيضاً حدودا بحرية طويلة تمتدّ من بحر العرب إلى البحر الأحمر مروراً بمضيق باب المندب الاستراتيجي الذي يمكن أن يقفل الطريق البحري بين الخليج وقناة السويس؟. قليلون لا يقرّون بأنّ الدكتور عبد الكريم الإرياني من أبرز السياسيين اليمنيين. هناك أيضاً خلاف بينه وبين الرئيس السابق علي عبدالله صالح المقيم في صنعاء والذي تُوجّه له أنواع مختلفة من الاتهامات، التي لا تستند إلى وقائع، في شأن تحالفه مع الحوثيين. توّج هذا الخلاف بتعيين بديل من الإرياني في موقع النائب الثاني لرئيس حزب المؤتمر الشعبي العام، أكبر الأحزاب اليمنية، الذي لا يزال علي عبدالله صالح على رأسه. حتّى الآن، اكتفى «الدكتور عبد الكريم»، كما يناديه اليمنيون والأصدقاء، بالحديث إلى صحيفة « سبتمبر» الناطقة باسم القوات المسلّحة اليمنية، وإن بلغة الشكوى، عن العلاقة «الغامضة» القائمة بين الرئيس السابق و»أنصار الله». هذه العلاقة لا تسهّل من وجهة نظره تحسّن الأوضاع في البلد، كما أنّ لا طابع إيجابيا لها. لكن أهمّية الحديث، وهو الأخطر من نوعه على الصعيد اليمني منذ فترة طويلة، تكمن في طرحه المباشر للأخطار التي تحيق بالدولة اليمنية بسبب التمدّد الحوثي. يطرح الرجل في حديثه المباشر والصريح، الذي دقّ فيه جرس الإنذار، مصير الدولة اليمنية في ضوء ممارسات «أنصار الله» الذين سيطروا على صنعاء في الحادي والعشرين من أيلول الماضي. وصل به الأمر إلى حد القول، مستنداً إلى تسلسل الأحداث: «عملياً هُدمت الدولة. إن اليمن دولة معروفة في كلّ أنحاء العالم وعلمها مرفوع في سفارات لها في أربعين دولة وهو مرفوع أيضا في جامعة الدول العربية، فكيف يزعم أنصار الله أنّه ليست هناك دولة؟». لم يكتف الإرياني بذلك، بل حذّر من البعد الإقليمي لتمدّد الحوثيين. قال في هذا المجال بعدما شرح العلاقة التي تربطهم بإيران أنّه «عندما دخل أنصار الله صنعاء وسيطروا عليها، لم ترحّب بذلك الحدث أي عاصمة في العالم، لا عربية ولا إسلامية ولا غير ذلك. لكنّ كل التصريحات التي وردت من مسؤولين إيرانيين رحّبت بسيطرة الإخوة أنصار الله» على صنعاء. هذا الكلام يثير تساؤلات». نعم، هذا الكلام يثير الكثير من التساؤلات، خصوصاً في ضوء المشروع الإيراني في المنطقة وقيام «دولة داخل الدولة»، على حد تعبير مستشار الرئيس اليمني الذي أمضى سنوات طويلة في موقع رئيس الوزراء ووزير الخارجية. يذكّر كلام السياسي اليمني العتيق بدولة «حزب الله» القائمة في لبنان، مع فارق أن اللبنانيين لم يقبلوا بها بأكثريتهم الساحقة، وما زالوا يقاومونها يومياً من منطلق تعلّقهم بثقافة الحياة ورفضهم الغرائز المذهبية. لا تتوقّف المقارنة بين تصرّفات «أنصار الله» و»حزب الله» عند هذا الحد. هناك في اليمن تساؤلات عن الأسباب المشروعة التي تجعل دول الخليج تمتنع هذه الأيّام عن مساعدة البلد، مثلما هناك تساؤلات في لبنان في شأن غياب عرب الخليج عنه. الأكيد أنّ اليمن عند منعطف. ماذا سيبقى من البلد؟ ما هي حدود الدولة التي سيقيمها «أنصار الله» الذين يبدو أن شهيتهم لا حدود لها؟ ما مصير الجنوب؟ هل يمكن أن يعود دولة مستقلّة بحدود ما قبل العام ، تاريخ تحقيق الوحدة؟. في كلّ الأحوال، يبدو كلام عبد الكريم الإرياني عن التهديد الذي تتعرّض له الدولة اليمنية في مكانه. ماذا سيفعل الخليجيون في حال قامت دولة اللادولة على حدودههم؟. إلى متى في استطاعتهم الاكتفاء بالبيانات المندّدة؟
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها