عصبية الجاهلية الأولى
ليس هناك أبشع من مناطقية المتعلمين، ففي الوقت الذي كنا نظن أن المناطقية والتعصب للعرق والصيت والنسب والمنطقة قد اختفت من قناعات الناس في واقعنا اليمني ,تضعنا الحياة في مواقف نكتشف منها وللأسف أن تعصبنا الجاهلي لمناطقنا مازال يسري فينا كأنه إله مقدس نرفض أن نتجاوزه ونصر أن نجعله كغشاوة تعمينا عن الرؤية وتحكيم العقول لما فيه الصالح العام قبل مصلحة الأنا.
كنا نظن أن الوطن للجميع وأن كل بقعة على ثرى اليمن هي أرضنا وأننا كلما وطأنا أية بقعة فيها نستطيع أن نقول بملء أصواتنا (أنا يمني), إنما ووأسفاه نصطدم بمتاريس نارية تدك هذا الاعتقاد دكاً, ونكتشف أنه مازال أمامنا ملايين السنوات الضوئية كي نقول إن كل اليمن أرضي ,وأن أمامنا أزمنة ضوئية كي نستطيع أن ننمي واقعنا الضحل هذا برؤى عقلية وبناء حقيقي يعتمد على أن الجميع شركاء في التنمية بغض النظر عن مَنْ أين يكون فلان, ومن هو علان ,ومن أين جاء فلتان؟، فطالما الأهداف الجليلة هي غايتنا لابد أن تمحي من طريقها أشياء ثانوية تعرقل أكثر مما تبني وتهدم أكثر مما تعمر وتمحو منا أخوتنا كأخوة لنا دم واحد إنما وللأسف الشديد نحن مازلنا نتمسك بالقشور ونترك ما ينفع الوطن.
تقودنا المناطقية البغيضة أن نعمي أفئدتنا عن الفكر الصحيح والانتماء لوطن واحد يجمعنا تحت سمائه ويفرض علينا أن نبنيه سوياً لا أن نرفض التعايش مع الآخر دونما مسببات سوى أنه ليس لا ينتمي لمنطقتنا ونسعى بكل طاقاتنا المتاحة لتحطيمه والنيل منه وإفشاله بالكلمات والأفعال ونسج الدسائس والخبث الشديد متجاهلين حتى كوننا في الأول والأخير بني آدم وتجمعنا الإنسانية قبل كوننا مناطقيين وبعنف.
حري بكل المناطقيين الذي مازالوا رهناء لثقافة الشحناء أن يوفروا الجهد والخطط والدسائس وحريق أكبادهم فيما ينفع واقعنا اليمني البائس, حري بهم قبل إهدار كل الوقت والجهد والأعصاب لنفي الآخر أن يستثمروا كل هذا في إعمار وتطوير واقعهم وتعديله للأفضل ,فهذا سيكون أجدى بكثير وأنف للواقع الحياتي والعملي وللناس أجمعين.
كم كنا نتمنى أن نقف جميعاً كبنيان مرصوص لا تجرثمه الأفكار المتعصبة والهدامة.. كم كنا نأمل أن تكون أخوتنا وانتماءنا لأرض اليمن هو المحرك الوحيد لنا للعمل الدؤوب جنباً إلى جنب لنهضة الوطن ونكفر بالمناطقية الجاهلة. كم كنا نتمنى أن نكون كلنا يمنيون فقط وليس مناطقيين, يمنيون تجمعنا الأهداف العظيمة المتجسدة في بناء اليمن وليس استماتتنا بتحطيم الغير، لكن ذهبت كل أمانينا جفاء أمام نزوات عصبية الجاهلية الأولى ..كم كنا نتمنى أن يسمو المتعلمون عن هذا الداء ,لكنها المعضلة الكبرى أن يكون المتعلمين أيضاً مناطقيون وبشدة, وهذا الشيء سيهلك ماتبقى لنا رمق في هذا الوطن الذبيح.
لن تقوم لبلادنا قائمة مادمنا بهكذا فكر وهكذا قناعة وهكذا مناطقية تمزق فينا كل ممزق وتعيقنا عن البناء الحقيقي للوطن وعن الحياة بسلام ..ولكن إلى متى سنظل هكذا رهناء لمنطق العصبية الجاهلية الأولى متمثلة بهذه المناطقية المقيتة ياتُرى؟.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها