في ظل المتغيّرات
الثقافة ليست مسلوخة عن البيئة العامة، بل إنها تكاد أن تكون تُرجماناً أميناً لهذه البيئة، ففي ظروف التفاعل الحيوي المقرون بالمبادرات والتجريب والابتكار؛ يأخذ الفعل الثقافي طابعاً حيوياً، ويتداعى مع المتغيّر تداعياً إيجابياً، فيما يتمكّن من الإسهام في روافد الثقافة الإنسانية، آخذاً أفضل ما في تلك الروافد، ومُناجزاً في المشاركة التي تضيف مفردات جوهرية لها، وفي الأحوال المتعسّرة لأسباب إدارية وتنظيمية يجد الثقافي نفسه مُحاصراً بسلسلة من الكوابح والموانع التي تجعله ينكمش انكماشاً قسرياً فيفقد بوصلة الحراك ويتداعى مع المؤثرات تداعياً سلبياً.
وفي كل الأحوال تلعب المؤسسة الثقافية دور الحاضن الذي يؤمّن للنشاط الثقافي أسباب نجاحه، وصولاً إلى مخاطبة الأفئدة والعقول، وهذه المؤسسة الثقافية بالذات مُطالبة بأن تكون حاضرةً في أساس المتغيّرات وتضاريسها المُتقلّبة، كما أنها مُطالبة بأن تؤمّن أسباب النجاح من خلال استخدام الموارد المتاحة بطريقة رشيدة، وعدم الانجراف مع بورصة المنافسات المجانية التي لا تخدم الفعل الثقافي بوصفه رسالة ناجزة تصل إلى ملايين المعنيين.
في الشارقة تكتسي هذه المسألة أهمية بالغة، وذلك عطفاً على التجربة المديدة التي اتسمت بروحية العطاء المقرون بالرؤية مما تتّسع له المبادرات والاجتهادات وتنتظم أحواله في قيمة المتغيّر البنّاء لزمن لم يعد يقبل بالأساليب المكرورة والاستيهامات العابرة.
المُعطى الثقافي في ظل المتغيّرات يتصل مباشرة بكامل الأسئلة القلقة التي تنتصب أمام البشرية؛ ابتداءً من الاشتباك العسير بين التاريخ والمُستقبل، مروراً بثقافة العولمة التي يُريد لها البعض أن تسير على درب الواحدية القاتلة للتنوّع، وحتى التوصيفات والتصنيفات الاستنسابية التي تُموضع الثقافات الإنسانية ضمن خانات مراتبية مخاتلة، كالقول بمركزية ثقافة ما على حساب ثقافات أخرى، وكالتعميم القسري لما عُرف من تعاميم ثقافة ما على العالمين.
لقد ثبت الآن وبالدليل القاطع أن البشريّة السويّة تستمد قوتها وروحية تعايشها الخلّاق من خلال الوحدة والتنوّع، لا الواحدية والمركزية، وقد كانت الثقافة العربية التي ورثناها من أمجاد الماضي البعيد إشارة دالة في هذا الأُفق، فالعربية لم تكن وعاء تعبير عن الخصوصية فحسب، بل كانت أيضاً منصّة انطلاق، وآفاق تحليق تتسع لكامل الثقافات الإنسانية، مما يستحق النظر المتجدّد من قبل المؤسسة الثقافية المعنية بالمُبادرة والتدوير والتفعيل.
يتغيّر العالم ومعه الثقافة، وتتحوّل المُعطيات اليومية بسرعات قياسية، والثقافة معنية بتسليك دروب التغيير، أخْذاً بالحكمة ومقتضياتها، بحثاً عن إدارة حميدة لتصادمات لا تتوقف.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها