ارحموا اليمن قليلاً!
لا حديث في اليمن هذه الأيام إلا عن الخلافات والسجالات والصراعات السياسية، والمهاترات الحزبية، والتحركات المطلبية.. وإعادة هيكلة الجيش والأمن وعقد مؤتمر الحوار الوطني وتوفير الخدمات الأساسية..
(1)
لم يعد المواطن اليمني البسيط والغلبان يستغرب مما آلت إليه الأوضاع، وما تشهده البلاد من تطورات وأحداث أدت إلى تصدع في الوحدة الوطنية، وضعف في بنية الدولة الأساسية، وتراخي في أجهزة الأمن المختلفة.
لقد ضرب اليمنيون وعلى مر التأريخ أروع الأمثلة في الحكم والتشاور ولكنهم اليوم باتوا في وضعِ لا يُحسد عليه.. فكل مشكلة تمر بها البلاد وكل قرار يتخذه (رئيس الدولة) يقضي بنقل فلان من الناس من منصبه إلى منصب آخر نحتاج إلى وسيط خارجي.. وكان السيد ( جمال بن عمر) هو الأقدر على لعب دور الحكيم المنقذ الذي لم تلده أم يمنية.
( 2)
من يمعن النظر في الوضع الراهن يجده صعباً وأكثر من معقد.. بل إنه بالغ الخطورة.. كل يوم (تربكنا) صحف الأحزاب بما تنشره بحبرها من سموم ..نشرات الأخبار هي الأخرى.. إنهم لا تنتابهم رحمة ولا تأخذهم شفقة ولا رأفة بهذا الوطن المثكول.. إنهم لا ينتمون إلى هذا الوطن أبداً.. إنهم ينتمون إلى وطن آخر وعالم آخر.
(3)
أعرف جيداً كما يعرف الكثير غيري أن هناك حلبة ولاعبين ماهرين اعتادوا اللعب على جراح الشعب، لاعبين يمارسون هواياتهم و ألاعيبهم المفضلة منذ عقود..لاعبين انعدمت وطنيتهم، وفقدت مسئوليتهم فأعمى التعصب أبصارهم.. إنهم اعتادوا العيش بشروط.. إنهم لا يحبذون أن يروا وطناً آمناً مستقراً.. لأن مصالحهم باختصار شديد ستتضرر، لأنهم اعتادوا العيش وسط الخراب وبين الدمار، وتحت أفوهة البنادق وأصوات الرصاص.
(4)
إننا بأحوج ما نكون إليه (هُدنة) يدخل فيها جميع قاداتنا وساساتنا.. هدنة ولو لشهر واحد.. فالثورة لاشك أنها ستستمر وبالتالي لن تتوقف إذا ما امتنع الشيخ حميد الأحمر عن تأكيده دعمها وتأييدها.. يمكن أن يوظف الشيخ (حميد) شهر الهدنة لإعادة ترتيب أوضاعه التجارية ومراجعة حساباته المالية.. بإمكان رئيس البرلمان (يحيى الراعي) التقليل من صولاته وجولاته وزياراته مع الزعيم للقرى والمدن داخل صنعاء.. يستطيع أن يجعل هذا الشهر لعقد دورة تدريبية توعوية له ولأعضاء برلمانه يتعلموا من خلالها أخلاقيات النقد والتعبير وعدم الشتم والاتهام والهنجمة والعنترية تحت قبة البرلمان..عليهم جميعاً – كنواب للشعب- أن يدركوا بأن الوطن لم يعد قادراً على احتمال مزيداً من الاختلاف والانشقاق.
على الرئيس (هادي) أن يوظف شهر الهدنة للجلوس العميق مع مستشاريه ومعاونيه.. عليهم أن يرسموا خارطة العبور إلى المستقبل الآمن، على هادي أن يتخذ قرارات أكثر جرأة وشجاعة.. قرارات تاريخية ومفصلية..
على رئيس الوزراء ( باسندوة) توظيف هذا الشهر لتفعيل الأعمال الخيرية، وتشجيع الجمعيات والمنظمات الطوعية..على من يروا في أنفسهم حماه للثورة عليهم أن يدركوا بأن الثورة لن تستمر بقوتهم.. كما لن تنتهي بضعفهم، على ( عبده الجندي) أن يخفف من تراتيل تعويذاته، عليه أن يدرك أن الوضع تغير تماماً.. قامت ثورة وأجُريت انتخابات وتشكلت حكومة وهو مال زال كما هو( ثابت في زمن المتغيرات).. بإمكان السيد (عبد الملك الحوثي) جعل شهر الهدنة لتأسيس حزب سياسي يمثل الحركة الحوثية.. كي يصبحوا مكوناً أساسياً وفاعلاً في الحياة السياسية بعيداً عن اللعب على ورقة المناطقية والتشجيع على الطائفية والتعصبية العمياء..
على (البيض) أن يُراجع أخطاءه في الماضي ويتعلم منها حتى لا يكررها في المستقبل.. بإمكان إعلام (صالح) الابتعاد عن استثارة مشاعر الناس، والرقص على جراحهم وآلامهم.. عليهم احترام شهر الهدنة وجعله شهر محبة واحترام وألفة..
في المقابل على قنوات الطرف الآخر احترام شهر الهدنة والعمل بعيداً عن تكريس ثقافة الحقد والكراهية والانتقام، فالواقع الذي نعيشه اليوم يتطلب منا جميعاً استشعار روح المسئولية.. يتطلب منا العمل من أجل الولوج إلى مرحلة الدولة الحقيقية، بدلاً من البقاء في حالة اللادولة والعشوائية.. نحتاج إلى قرارات حاسمة، نحتاج إلى قوانين صارمة، نحتاج إلى جيش وطني قوي يضبط الحدود ويرفض التهاون وانتهاك السيادة الوطنية، نحتاج إلى قوى أمن تضبط الأمن في الداخل ولا تتهاون مع أي مقصر أو متخاذل.. نحتاج إلى هدنة.. نعم هدنة ولو لشهر.