الحركة الحوثية بين إمكانية التطور والفناء
في ظل الانتصارات التي حقتتها حركة الحوثي يبقى السؤال المطروح هو: هل الحركة الحوثية قابلة للتطور والانفتاح على العصر والعالم، أم أنها حركة أيدلوجية مغلقة مصيرها الفناء؟ ابتداءً أحب أن أنوه إلى أن الإجابة على هذا السؤال تتطلب الاستقلالية والحيادية البعيدة عن آلات وأمراض الفرز الأيدلوجية الجارية اليوم، فهدف الكاتب ينبغي أن يكون شيئاً واحداً فقط وهو أن يعرف مآلات وصيرورة القوى المتصارعة، لا أن ينخرط في عملية الصراع. هذه المعرفة ضرورية للمجتمع وللعالم ولمن أراد أن يعرف، أما المتصارعون فمنطقهم من لم يكن معنا فهو ضدنا، وبالتالي فأمرهم ورضاهم لا يعنينا هنا البتة. فلنحاول الإجابة على السؤال وذلك على النحو التالي:
1- ترفع الحركة شعار مقولة البطنين التي تعني أن السلطة مقصورة حصراً فيمن يدعون انتسابهم إلى الحسن والحسين ابني علي ابن أبي طالب، وبالتالي فهي حركة عنصرية في مواجهة الجميع بمن فيهم من يزعمون انتسابهم إلى البيت الهاشمي من غير فرع البطنين، وهذا يعني بقاء الحركة محصورة في بقعة اجتماعية ضيقة من العرقية السلالية، وعدم قدرتها على الانفتاح على بقية أطياف المجتمع.
2- ترفع الحركة شعار المذهبية الزيدية وأتباع هذا المذهب لا يشكلون أكثر من 30% من سكان اليمن على أفضل تقدير، قلة منهم مؤيدة للحوثي، وبالتالي هناك أكثر من 90% من السكان هم عبارة عن بيئة عدائية لهذه الحركة.الأمر الذي يعني أن قاعدتها الاجتماعية ستبقى محصورة جغرافياً في بعض المناطق المحيطة بصعدة حيث يتواجد أنصارها، وحتى في هذه المناطق التي تشكل حاضنتها الاجتماعية لا يمكن أن يكون لها أنصار بين المثقفين فهؤلاء سقف انتمائهم إنساني أو وطني على أقل تقدير، إذ يستحيل أن يوجد مثقف مذهبي، ولم يلتحق بها حتى الآن سوى بعض الكتاب والصحفيين المتكسبين، وهؤلاء يستحيل تصنيفهم كمثقفين.ٍ
3- على الصعيد السياسي الخارجي أعلنت الحركة عدائها السافر للمحيطين الإقليمي والدولي، وبالتالي لن تستطيع الحركة بناء علاقات حسن جوار لا مع محيط اليمن المباشر كدول الخليج، ولا مع بقية أقطار العالم العربي، ولا مع بقية القوى الفاعلة والمؤثرة في النظام الدولي، الأمر الذي يعني بقاء علاقتها مقصورة على الممول والمشغل لها وهو النظام الإيراني، ولا يمكن لها تجاوزه والعمل خارج إطاره، شأنها شأن حزب الله اللبناني.
وبناءً على ما سبق وتأسيساً عليه فإن الحركة تعاني من القيود الثقيلة التالية:
1- القيد السلالي العنصري ممثلاً في مقولة وأسطورة البطنين ممثلة في أنسال الحسن والحسين الذين لا يستطيع أحدُ القطع بوجودهم من حيث الأساسٍ.
2- القيد المذهبي ممثلاً في أقلية مذهبية من الأميين وأشباه المتعلمين.
3- القيد الإقليمي ممثلاً في عداء الحركة لمحيطها الإقليمي، وبقائها مرتبطة حصراً بالنظام الإيراني، الذي هو بدوره محاصر بعزلة اجتماعية داخلية وعزلة إقليمية ودولية تجعل بقاءه واستمراره على المدى الطويل محل شك كبير.
4- القيد الدولي ممثلاً في عداء الحركة للقوى الفاعلة والمؤثرة في النظام الدولي وعدم قدرتها على التعامل مع هذه القوى بواقعية وبمعايير تبادل المنافع والمصالح وبعيداً عن قيود وشعارات وصرخات الأيدلوجيا.
إذاً هل باتت الإجابة على سؤال قابلية الحركة للتطور والانفتاح على العصر والعالم واضحة لكم؟ أعتقد أن قابلية الحركة للتطور والانفتاح يتطلب منها التخلي عن قيودها السلالية، والمذهبية، والإقليمية بما فيها التخلي عن النظام الإيراني، والدولية بما فيها الانفتاح على الولايات المتحدة والعالم الغربي، وإذا فعلت كل هذا وهو المحال بعينه فقد تخلت عن كل مقومتها وأصبحت بالتالي في حكم المنعدمة، مثلها مثل بقية الأنظمة والحركات الأيدلوجية المغلقة التي لا يمكن لها أن تتخلى عن أيدلوجتها وأن تبقى في الوقت نفسه، إذ كيف يمكن لتنظيم القاعدة أو السلفيين أو الإخوان المسلمين أو أنصار الشريعة أن يتخلوا عن أيدلوجياتهم وأن يبقوا في الوقت نفسه؟. وعليه أعتقد جازماً أن بذور فناء هذه الحركة موجودة في صميمها وتحقيقها انتصارات على نظام فاسد لا يعني البتة قابليتها وقدرتها على التعامل مع المجتمع والإقليم والعالم، وليس بوسع انتصاراتها أكثر من إثارة الفوضى. بقي سؤال
واحد وهو: هل يشغل عبد الملك الحوثي والمحيطين أنفسهم بهذه الأسئلة وهذه القضايا المصيرية التي تحدد مستقبلهم ووجودهم؟ لا أظن أنها مُدركة لهم من حيث الأساس.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها