ما داعش إلا.. أنتم!
كل أعداء الإسلاميين (دون تمييز المعتدل والسلمي عن نقيضهما) فرحوا جداً بظهور "داعش" وأمثالها في البلدان الإسلامية.. لا فرق في ذلك بين الصهاينة في فلسطين والانقلابيين العسكر في مصر.. ولا بين جماعة متضرري الربيع العربي من الحكام المخلوعين وأتباعهم وفلولهم وبين منظمات مثل الحوثيين اليمنيين وحزب الله اللبناني؛ بالإضافة إلى أصحاب الثأرات السياسية كبعض العلمانيين واليساريين.. وكلهم وجدوها فرصة سانحة لتنفيس غيظهم، واجترار أحقاد الماضي!
وبصرف النظر عما يقال –كما كان يقال عن القاعدة- إن داعش صنيعة أمريكا أو بعض الأنظمة العربية أو إيران؛ فالثابت أن الممارسات الإجرامية لداعش وأمثالها – التي يحرصون للغرابة على توثيقها وبثها في وسائل الإعلام- قد أفادت القوى المذكورة جداً، وصرفت الأنظار إلى حد كبير عن جرائمها، وأعطتها فرصاً إعلامية هائلة لأداء دور غاندي ونلسون مانديلا للتظاهر رفضاً للعنف والجرائم ضد الإنسانية.. ولو أخذنا الكيان الصهيوني مثالاً على هؤلاء فقد كان موقفهم واضحاً في ادعاء البراءة والطهارة والوداعة، ويمكن القول إنه أحد أكبر المستفيدين من ممارسات داعش التي أبرزت إعلامياً بقوة، وغطاها الإعلام العالمي بنفاقه المعهود حتى كادت تنسي العالم جرائم بني صهيون في غزة!.. وفي مساء السبت الماضي ظهر على قناة الجزيرة محلل صهيوني مختص بشؤون الشرق الأوسط دافع عن جرائم إسرائيل بدهاء سيقلده فيه كثير من الأنظمة العربية المجرمة؛ فقد استند رده على أن ضحايا الصراع العربي الصهيوني خلال مائة عام أقل بكثير من ضحايا الرئيس السوري. ومن ضحايا داعش في سوريا والعراق! ومن قبله قال مارك ريجيف الناطق باسم الحكومة الصهيونية؛ في 13 أغسطس الماضي لقناة سي إن إن العربية؛ إن حماس عضو بعصبة متطرفين تضم حزب الله وداعش وبوكو حرام، وبالتالي فإن أعمال العنف جوهرية بالنسبة لها! ولو كان الذي يتكلم في ذلك المقام هو الناطق الرسمي باسم زعيم المؤتمر وحلفائه لأضاف الإصلاح وأبناء الشيخ عبد الله الأحمر، وحذف في المقابل حذف اسم حزب الله؛ مراعاة للمعسكرات المهداة، والتنسيق المشترك الراهن، والملوج والسلتة مع الحوثة في اليمن.. وليس في ذلك أي غرابة فالصحيفة المصرية التي نقلنا منها كلام الناطق الصهيوني اقتصرت على ذكر داعش وبوكو حرام وأغفلت حزب الله أيضاً، وإذا صح ان حسن نصر الله أثنى على السيسي قائد الانقلاب العسكري في مصر في خطابه الأخير فالسبب يصير معروفاً!
ومن الكيان الصهيوني إلى أمثاله من الأنظمة القائمة وبقايا وفلول الهالكة، والكيانات الإجرامية غير الحاكمة؛ فسوف نلاحظ بسهولة كيف يستفيدون من إجرام داعش وأمثالها سواء لإخفاء جرائمهم القديمة والجديدة.. أو لتصفية حساباتهم مع خصومهم الإسلاميين السلميين ضحايا إجرامهم! كما يحدث في مصر التي يتبنى تحالف إعلامها الرسمي والحزبي والأهلي حملة شعواء ضد داعش لإخفاء جرائم السلطة الانقلابية في حق المصريين، والتي كان أبزرها جرائم فض اعتصامي ميداني رابعة النهضة قبل عام من الآن.. والتي صارت جرائم موثقة عالمياً بالصورة والأرقام والشهادات!
هذا وحده هو الذي يفسر سر هذه الحميّة العربية العالمية ضد جرائم داعش.. فكلٌ يغني عن ليلاه.. و"ليلى" هنا هي تاريخ أسود في القتل والإجرام مليء بممارسات سوداء مريعة مسربلة بالدماء والنفوس التي أزهقت سراً وعلناً.. ولكن لحسن حظهم وسوء حظ الشعوب أنهم لم يكونوا بغباء داعش أو غرورها فيوثقونها بالصورة والصوت ويذيعونها على العالم وإن كان تاريخهم الأسود هو نفسه دعاية إيجابية لصالح داعش!
****
ربما كانت هذه السريالية السياسية هي من مظاهر مآسي الأمة المزمنة؛ فنحن دائماً نقع بين مستبد محلي غاشم ومجرم دولي وقح.. وكلا الطرفين لا يخجل أن يزايد على حقوق الإنسان، وكل القيم الإنسانية الرفيعة لضمان مصالحه وهيمنته على السلطة! وحتى داعش سوف نجد من أتباعهم من يبرر جرائمها بالدعوة إلى تذكر جرائم الصهاينة والأمريكان وعملائهم في الوطن العربي.. وسنجد من يقول إن جرائم هؤلاء المتباكين على الإنسانية والتحضر أكبر بكثير، وهذه غزة أمامكم تم فيها تدمير وقتل ونسف وإحراق الحياة والإنسان بما لا يقاس بجرائم داعش وبدعم وسكوت الدول نفسها التي تتصدى لداعش الآن!
وعلى المنوال نفسه سوف نسمع ونقرأ لكثيرين يقولون: ما داعش إلا أنتم يا مجرمين لجهات عديدة تستنكر أفعال داعش اللا إنسانية! وهي عبارة تحمل كثيراً من الصدق عندما يقولها الفلسطينيون في مواجهة الصهاينة.. وعندما يقولوها السوريون للنظام الذي يقتلهم منذ 3 سنوات بأبشع الأسلحة بما فيها السلاح الكيماوي والبراميل المتفجرة.. وسيقولها العراقيون السنة للقيادات الشيعيةالمدعومة من إيران التي تقتلهم بنفس أساليب النظام السوري وتكرر معهم نفس أساليب الأمريكان في معتقل أبو غريب.. ومن باب أولى سيقولونها للأمريكان والبريطانيين عن تاريخهم الإجرامي أثناء الحرب على العراق وبعد احتلاله! ولو كان للفيتناميين اطلاع ما على قضية داعش وموقف أمريكا منهم فسيقولون لهم أيضا: ما داعش إلا أنتم!
وفي اليمن؛ سيقول أهل صعدة وحرف سفيان وحوث وعمران وهمدان للحوثة بالصوت المرتفع: تنددون بداعش.. وما أنتم إلا نسخة منها؟ حتى المخلوع علي صالح سمعته يندد بجريمة قتل الجنود اليمنيين على نفس طريقة المالكي ونتنياهو والأسد.. حتى أنني ابتسمت وتذكرت مئات الشباب الذين قتلهم صالح وجنوده أثناء الثورة الشعبية السلمية.. ولا زالت الذاكرة اليمنية تحتفظ بصور إجرام جيش المخلوع وبلاطجته وهم يقتلون الشباب في جمعة الكرامة وكأنهم يقتلون حيوانات لا بشراً! ولا زالت ماثلة في ذهني تلك الصورة الأليمة لذلك الشاب الثائر الذي أصيب برصاصة في رأسه، وظهرت صورته وهو ينزف الماء من الرأس وجسمه ينتفض وهو يسلم الروح! وكثيرون غيره ما زالت صورهم محفوظة ويوماً ما سيقف صالح وبطلاجته أمام الله ليحاسبهم عن الذنب الذي قتلو به مئات الشباب المعتصمين السلميين.. وسيسأل عن النساء اللاتي قتلهنَ في تعز تجبراً وعدواناً.. والمؤكد أن صالح لن يُسأل عن داعش العراق واليمن كما سيسأل عن هؤلاء.. فليوفر علينا وصلات التمثيل الفاشلة عن سلميته وبراءته.. ونحن بدرونا سنقول له: ما داعش إلا.. أنت!
****
من محاسن التوفيق أن الله تعالى فضح مواقف كثيرين.. فداعش العراق وقاعدة اليمن والصهاينة.. والمخلوعون في مصر واليمن وليبيا والداعمون لهم في الخليج العربي، وأمثالهم في سوريا.. كلهم مجمعون على إدانة ثورات الربيع العربي لأسباب تخص كل طرف.. وكلهم لا يؤمن بأبرز اهداف الربيع العربي ألا وهو تأسيس الدولة الحرة العادلة الديمقراطية التي يكون الشعب فيها هو الحكم وليس الانقلابات العسكرية والتوريث.. وكلهم يعمل بشكل أو بآخر لتصفية آثاره والانقلاب عليه أسوة بما حدث في مصر! والفارق بين داعش والآخرين أن الأولى تجاهر بمواقفها علانية والآخرون يخفونها بألاعيب الحواة والمشعوذين
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها