الأصلاحيون في الذكرى الـ22..مخاوف وتحديات الحُكم
ثلاثة وثلاثون عاماً ،كان فيها الاحتكار والاستبداد هما : الدستور والقانون ، والديمقراطية والقضاء النزيه ، وهما المواطنة المتساوية ، والتداول السلمي للسلطة ، والأقتصاد المزدهر . كانت العائلة هي السلطة والوطن وهي الدولة بإتجاهاتها الأربعة ، وبمفهومها التقليدي ومقوماتها الحديثة .
عقوداً مرعبة في ظل نظاماً عائلي مستبد ، احتكر السلطة باعتبارها حقاً وجودياً مطلقاً ، عاث في البلد فساداً وظلماً وإستبداداً وتوريث ، وأحاطة العائلة نفسها بوحدات عسكرية جديدة ، جعلت من منتزهات صنعاء وحدائقها ثكنات عسكرية ، ، وسيجت محيطها السياسي والأجتماعي بنخب – على شاكلتها – من حملة المباخر ، وقالعي العدادات ، ومن المسبحين بحمد أحمد آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يُرضي والده الصالح .. نخب سياسية تٌعرف السياسية بفن ما يٌريده الحاكم ، أوكلت لها العائلة إدارة البلاد وشكلت حكوماتها على أساس أن تكون فاشلة ، وشكلت البرلمانات قبل إجراء الأنتخابات المزورة ، وأوصلت اليمن ارضاً وإنساناً الى تصحر شامل ، وفتكت بكل مكونات الدولة السياسية والعسكرية والأقتصادية والأدارية والأجتماعية ، وحتى القيم الأخلاقية والأنسانية ، واتسعت نطاقات الفقر وأرصفة البطالة ، وانتٌهكت حقوق الإنسان ، حتى ازدحم تاريخ اليمن في ظل حكمها بأيقونات ، الإستبداد والقهر والفساد والقمع والاختفاء والتعذيب وإنشاء المحاكم الصحفية والعسكرية ، وحين فقدنا كل الخيارات ، ويأس الشعب ومعارضته السياسية ـ اللقاء المشترك ـ من إصلاح النظام السياسي ، ووصلنا الى درجة إنتظار الأنتظار ، كانت الثورة السلمية هي المنٌقذ ،والجسر الوحيد الذي نقل اليمن من ضيق العائلة الى سعة دولة بدأت تتشكل ، وتؤسس لواقع يتناسب مع حجم تطلعات وتضحيات الشعب اليمني.
في سياق هذه المعركة الوجودية التي يخوضها الشعب متزوداً بإرادته الفولاذية الواعية ، بدأت النجاحات تتوالى بأول إنجاز إستراتيجي "إسترداد السلطة من المركز العصبوي الى الشعب " ، وحيث اطمأن اليمنيين إلى شرط الحرية ، وفي ظل الثورة السلمية ، أقبل ولأول مرة دون ترهيب أو ضغط ، على إنتخاب رئيس جديد من خارج المركز العصبوي ، وكانت رسالة الشعب للداخل والخارج أنه يٌريد إسترداد سلطته ، ويصنع التغيير الحقيقي بنفسه ،وفق بوصلة الثورة السلمية .
كان الدور الرئيسي للمشترك وحزب الاصلاح خاصة ، ملحوظاً في إنتخابات الرئيس هادي الذي حصل على أكثر من سته مليون ناخب ، حيث حضر الاصلاح بكل مقوماته ومكوناته التنظيمية ، في ظل غياب وتذمر المؤتمر الشعبي العام ومقاطعة جماعة الحوثي والحراك الجنوبي ، الأمر الذي خلق إزعاج كبير لدى مراكز النفوذ العصبوية ، والتي كشفت الثورة زيف نضالها الشكلي وأرتمت في حضن من قامت عليه الثورة ، فبدأ البعض بقرع أجراس التخويف ، والتحذير وإطلاق فزعات بالية ، تجاوزتها شعوب أخرى قبل اليمن ، وطرحت ثقتها في من تعتقد أنهم أهل لهذه الثقة .
كثيراً من هذه الفزاعات ،التي تبثها قوى الثورة المضادة ،تعمل على التشكيك بمصداقية الاصلاح بقبول الاخر وإيمانه بالتداول السلمي للسلطة ، وتحاول تصوير الاصلاح مع شركائة في المشترك أنهم يفتقدون للخبرة الكافية في إدارة البلد !
تفرض هذه المخاوف ، تحديات وعقبات صعبة أمام القوى الوطنية بما فيها حزب الاصلاح ، في سياف بناء الدولة ، أهم هذه التحديات ستكون قوى الثورة المضادة ، التي وجدت نفسها مرمية في الشارع بعد أن كانت تتربع على عرش الحكم ، وتسعى لإعادة إنتاج دورها الإستبدادي ، وتحاول إسترداد كرامتها .
يتمثل التحدي ألاخر أمام حزب الاصلاح وشركائه في تكتل المشترك والقوى الوطنية ، كونهم الحامل المجتمعي والسياسي الاساسي لمشروع الدولة ، في قدرتهم على تحويل ، فكرة الثورة ـ من شعارات الكرامة والحرية والتنمية ـ إلى برنامج اقتصادي سياسي اجتماعي شامل ، بالاضافة الى تحدي إنتاج إدارة دبلوماسية في العلاقات الإقليمية والدولية ـ في إطار المصالح المتبادلة ، دون أن تتعارض استراتيجياً مع مصالح الشعب.
وهذا كله يجب أن يرافقه، وأن يتبعه، عملية إصلاح عميقة على المستوى الفكري داخل كل حزب من الأحزاب المكونة للمنظومة السياسية الوطنية المتمثلة في أحزاب اللقاء المشترك، وفي مقدمتها حزب التجمع اليمني للإصلاح، تستوعب المتغيرات التي أحدثتها الثورة الشبابية السلمية وتؤسس لمستقبل يكفل تحقيق تطلعات الجماهير التي تنتظر من الأحزاب الإنتقال من مرحلة الشعارات والتناقضات الآيديولوجية التي لم تعد تشبع حاجة الناس، الى مرحلة العمل التنموي بمختلف جوانبها الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية.