خفايا عودة البيض وتمسك حميد بالمنزل
للمرة الثانية يعلن علي سالم البيض أنه سيعود إلى أرض الوطن مكتفيا بلفظ مطاطي للتعبير عن عودة مثيرة للجدل والظن والتوقعات ،(قريبا)، هكذا قالها في حديث متلفز وكررها في حوار صحفي لـ(الأمناء) العدنية، وعندما سأل عن أي ضمانات دولية قالها بطريقة مثالية أنه لا يحتاج لإذن من أحد وأن ضمانته الوحيدة هو الله – لا إله إلا الله – وحدوووه يا مسلمين..
عن نفسي وهذا رأيي الشخصي وأنا حر فيه، أستبعد تماما أن يعود علي سالم البيض في هذا الظرف بالذات، وقلتها لصحيفة عربية طلبت مني التعليق على إعلان العودة .
ومما قلت: أن السيد علي سالم البيض أراد بهذا توجيه رسالة لأطراف وأشخاص في داخل الحراك الجنوبي نفسه ، يسعون ويخططون لنشاط يعارضه البيض، فأعلن (قريبا) ليبقى الوعد مفتوحا مسلطا على الجميع، وهي العودة التي ستقلب الطاولة على رؤوس أينعت وقد تطاولت لتقرر باسم الحراك هدفا لم يأذن به (الرئيس الشرعي) مالك كل السلطات وصاحب القرار الأول والأخير في تحديد مصير هذه البقعة من الجغرافيا ، تماما كما كان صاحب القرار الوحيد بضمها عام 90م إلى الجمهورية المتحدة، وصاحب قرار الحرب ثم السلم والنوم في سلطنة عمان الشقيقة 15 عاما.
ولتقريب وجهة نظري تذكروا أن عودة زعيم الحراك الروحي حسن باعوم قد خلطت بعض أوراق عمنا علي سالم ، وظهر ذلك جليا في مخرجات لقاء المكلا وبينما تحدث تيار الباعوم عن تحضيرات متسارعة لعقد المؤتمر الجنوبي، فإن محمد علي أحمد يعد –هو أيضا- لمؤتمر آخر وقبله التكتل الديمقراطي الجنوبي ، كما أعلنت قوى الثورة الجنوبية مجلس تنسيقها - وكلها مكونات جنوبية بنظر العالم وليس مقاس شمولي الأمس إقصائي اليوم - متزامنا مع قرب انعقاد مؤتمر الحوار الوطني المدعوم من المجتمع الدولي، جميعها جعلت علي سالم يلوح: أنا هنا والجنوب ورقة رابحة في يدي وليس في يد غيري.
حالة واحدة نستطيع أن نتفهم من خلالها قرار العودة الذي يكرره الرئيس البيض ليقنعنا ويقنع نفسه ويعيد تذكير الجهة المقصودة برسالته، هذه الحالة هي إذا ما استوعبنا شخصية الرجل التي لخصها سياسي يمني بارز بقوله (أن البيض شخص لا يحسب العواقب جيدا)، فقد ذهب إلى وحدة اندماجية ولم يحسب تبعاتها، ثم دخل في حرب خاسرة دون أن يجتهد ويدرس مآلاتها، وأتبع ذلك بغياب تام من مزاولة أي نشاط سياسي لعقد ونصف في مسقط، وهاهو يسير على ذات النظام ، ولله في خلقه شئون.
عواقب العودة التي أقصدها ليست أمنية من نظام (الاحتلال) الذي يناضل السيد البيض لطرده ، فهو مواطن وهذا وطنه، ولن يتعرض له النظام بشيء خصوصا مع دعوات الاعتذار للجنوب والتحضيرات لمؤتمر الحوار، وقد استقبلت عدن من قبله قيادات أمثال الحسني ومحمد علي أحمد وهاهم يمارسون نشاطهم بكل حرية، كما أن قيادات ونشطاء الحراك ذاهبون آيبون عبر المطارات، وقبل هذا وذاك فإن جمهور علي سالم البيض في الجنوب سيكون ضمانة لعدم التعرض له من طرف النظام.
لكن يبقى السؤال في سياق منطق السياسة، ماذا سيضيف البيض بعودته إلى الداخل، وهل يعاني الحراك من ضمور وضعف جماهيري تطلب حضور البيض ليزيده زخما وحيوية.
هل فقد السيد علي سالم الثقة بكل ممثليه وقياداته الميدانية في الداخل وصار الوضع خارج السيطرة مما يلزم عودته على وجه السرعة ليقود الجماهير نتيجة الصراعات التي تعصف بحراك يعاني من انقسام محلي ورفض إقليمي ودولي.
هل تلقى الرجل رسائل من وسط ممثليه المؤتمنين أن الساحة قد جرت فيها مياه كثيرة ولاعبون كثر ويكاد تيار (الزمرة) يستفرد بالمشهد الجنوبي مدعوما بالنظام الحليف قديما وحديثا، فكل الذين عادوا من الخارج هم لون سياسي وجغرافي واحد ، أثارت قيادات الحراك من اللون الجغرافي الثاني.
لا تحدثوني عن التصالح والتسامح واقنعوني عمليا بنشر تصريح على لسان واحد من أصدقائي شلال علي شائع أو لحسون صالح مصلح يثنيان فيه على الرئيس علي ناصر محمد على أقل تقدير.
وأخيرا هل يأس البيض من الخارج وما عاد بحاجة لأي تحرك في أي من عواصم العالم للحصول على التأييد، ولم يعد أمامه غير الداخل لتصعيد الميدان، لكنه خيار تنقصه الواقعية وقرار انفعالي وغير مدروس، ففي وضع كاليمن القرار يكمن خارج الحدود، وإلا كان الحراك بزخمه الأول قد أنجز هدفه وهو الذي يقود فعاليات منذ خمس سنوات، ولما احتاجت ثورة الربيع اليمني لمبادرة خليجية ومجتمع دولي ومكتب لجمال بن عمر في صنعاء.
كمواطن فإنني أرحب ترحيبا حارا بأخي المواطن علي سالم البيض فهذا بلده، واختلافنا في الرأي لايمنع القبول ببعضنا على قاعدة المواطنة المتساوية، ولابد من عودة الطيور المهاجرة.
وكصحفي أنا من أشد المطالبين بعودة السياسي البيض وعلي ناصر والعطاس وصالح عبيد وصالح شايف والأصنج والأمراء والسلاطين والمشائخ الغائبين عن الوطن على امتداد الصراعات السياسية منذ ستينيات القرن الماضي ، حتى يكون الجو السياسي أكثر فاعلية وإثارة ، وحتى يكون أمامنا كصحفيين مواد خبرية دسمة وخصوصا تلك التي يكون البيض طرفا فيها، تدهشني (خبطاته) التي غالبا ما تكون خارج السياق وعكس التيار ابتداء من طرد القاعدة البريطانية يوم كان وزيرا للدفاع فحدثت للجنوب نكبة مالية اضطرت حينها الجماهير للتظاهر والهتاف (تخفيض الراتب واجب) ومخالفته قانون الأسرة ليخسر بسببها عضوية المكتب السياسي للحزب وإن كان قد كسب زوجة ثانية، ألم أقل لكم أن الرجل كله (آكشن) وأداؤه السياسي يوفر مانشيتات عريضة تجلب القراء؟!!.
يبقى على الشيخ صادق الأحمر وإخوانه المبادرة بإعادة منزل السيد علي سالم البيض ، ألم يقر اللقاء المشترك ولجنة الحوار والرئيس هادي النقاط الخاصة بالجنوب والتي تبدأ بإعادة المنهوبات وتنتهي بتقديم الاعتذار الرسمي.
قد يقول لنا البيض أنه يطالب بوطن وليس مجرد منزل ، مع كل هذا يقتلني الفضول لمعرفة سر هذا المنزل الذي تتناوله الصحافة والسياسيون بكثرة في الخمس السنوات الأخيرة ، ما تفسير الثائر حميد الأحمر لتمسكهم بمنزل كل هذا الوقت، لماذا لا يرموه لمالكه الأصلي –إن كان له مالك- أو يتنازلوا عنه ليكون مقرا لجمعية خيرية أو أدبية أو مؤسسة تربوية أو صحية - إن كان كما يقال من مخلفات شركة بريطانية - وكفى الله اليمن والجنوب وعدن وحزب الإصلاح -الذي ينتمي إليه حميد- شر الشكوى والشرشحة ولهم والغم..