في ذكــرى الحــرب والألم !
كم هي الذكريات مؤلمة عندما أتذكر حرب 94م الظالمة وأنا في الصف الثاني ثانوي حينها وكيف كانت المدافع وأصوات أزيز الطائرات يقض مضاجعنا آنا الليل وأطراف النهار في ظل ضجيج ماكينة إعلامية ضخمة يصور لنا فيها طرفي النزاع يوميات الحرب بكل تفاصيلها التي نراها مشهدا متحركا على الواقع مختلطة مشاهدها بأصوات الثكالى وأنات اليتامى , فكانت أيام عصيبة ونحن نستلهم ماكان مرسوما في مخيلاتنا من أحلام رسمها قطبا الوحدة قبل الحرب المشئومة , من الرفاهية والمستقبل المشرق في ظل نعيم الوحدة اليمنية التي مازالت ألسنتا تلهج وتهتف بمجدها في كل طابور صباحي يومي, لتأتي الحرب ناسفة لكل جميل وصادمة لكل هذه الأحلام التي رسمناها منذ أمد ليس بالقريب , لتكون أول ثمار النصر العظيم المتمثل في (الاجتياح) حينها توقيف تغذية الطلاب وتجميد ميزانية القسم الداخلي بثانوية (ابوبكر الصديق ) , لينقسم الطلاب إلى مجموعات قبلية عشائرية وتشكيل عزب صغيرة ينتخب لها مسئولا ماليا يتم فيها جمع مبالغ مالية لشراء أرز وسكر و(شولة) تعمل بالجاز كي تستمر دراستنا كوننا من مناطق بعيدة لانستطيع التوفيق بين السفر وطلب العلم ليستمر هذا الوضع عاما كاملا انصرف فيه الطالب عن العلم والتعلم بحثا عن لقمة العيش والبحث عن مبلغ مالي يسدده حين ينفذ الغذاء ,,ومعه ارتسم هذا المشهد كمنجز وذكرى أليمة من ذكريات الحرب وإنتصار شرعية الكذب العفاشي حينها على قيم التصالح والسلم والدولة المدنية.
لم يقتصر الأمر على التغذية فلقد بلغت الخلافات أشدها في المديرية ومكتب التربية وإدارة الثانوية التي نحن طلابها بين معينين جدد هم عبارة عن (فاتحين) وبين مخلفات الماضي (الشيوعيين) كما كان يحلو للفاتحين تسميتهم آنذاك.
بدت الثانوية بعد النصر العظيم كمسجد يأتيها الوعاظ والمحاضرين في كل ليلة لتعليمنا الوضوء وأركان الدين والإيمان فضلا عن مقدمة التحفة السنية التي كان يلقيها المجاهد الأستاذ محمد حسن خالد , يلقننا إياها بعد صلاة الفجر كدرس إجباري غير مرغوب فيه ومن رفض الحضور يكون سيف تهمة الشيوعية جاهزة في وجهه لخروجه عن الملة والدين بحسب ادارة التعليم حينها ,,
كان تمثيل هؤلاء تمثيلا هجائيا مقززا لكل سلوك قاموا به رغم أنهم جنوبيون ومن أبناء جلدتنا لكنهم بتصرفاتهم تلك وضعوا بين الطالب والدين والمواطن والخدمات ألف حجاب وحاجز.
بعد الحرب كان آبائنا وإخواننا الذين كانوا جنودا في جيش جمهورية اليمن الديمقراطية بلامرتبات لأشهر وذلك بعد تسريحهم وخوف هؤلاء الجنود من العودة إلى وحداتهم التي لايعلمون أين هي بالضبط ناهيك عن الغلاء الفاحش التي طرأ على كل مستلزمات الحياة ..
ولم يتوقف الأمر عند هذا بل كان مسئولين كبار في حزب صالح يجعلون من قيادات الإصلاح المحلية وبعض أنصار الإصلاح في مواجهة مباشرة مع المواطنيين في أمور ليست من اختصاصاتهم كمتابعة مواطنيين وضباط كانوا يقاتلون في صفوف الجيش الجنوبي لسحب أسلحة كانوا يمتلكونها وبالتالي الظهور بالمظهر السيئ عند كافة شرائح المجتمع في ظل التعبئة الإعلامية ضد الإصلاح وأنصاره لتكون الحصيلة كراهية لكل من ينتمي للإصلاح نتجرع غصصها نحن الأعضاء الجدد ولو كان انتماءه جاء في نهاية الألفية ولم يشفع لنا وقوفنا مع الجنوب وجيشه في حرب الوحدة الإجبارية التي تلاحقنا مآسيها الى اليوم .
وبالرغم من انخراطنا في صفوف الحراك السلمي في 2007 كانت أعين بعض القادة تلاحقنا وكان نجواهم يؤرقنا في كوننا إصلاحيين ليختلط الحابل بالنابل ويتسيد الشعار والفوضى ويبرز من يحقد على الأشخاص لتدينهم وينبري من ينظر للإسلام كعدو ليتقدم الاقصائيين والمناطقيين ويتربع مناضلي الوراثة على عرش الكلمة والمسيرة والخطاب لتنحرف البوصلة إلى حب الذات والشخصنة الفردية على حساب العمل الجماعي السلمي فيعلو شعار لاصوت يعلو على صوت القائد الملهم والسيد المفدى فكان لازما علينا عندها الصمت والصمت لاغير أمام دوران رحى الفوضى حول نفسها ألاف المرات دون تحقيق أي تقدم يذكر.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها