هل نشهد نهاية مجلس التعاون؟
طوال عقدي الستينيات والسبعينيات كانت دول الخليج تسترخي على ضفاف سواحلها، تنعم بعوائد النفط، وطفراته المدهشة، وكان تعبير الروائي والاختصاصي في اقتصاديات النفط عبدالرحمن منيف دقيقاً للغاية حين قال إن أهم حدثين شهدتهما الجزيرة العربية هما "ظهور الإسلام والنفط"، فهما الوحيدان اللذان أحدثا نقلات نوعية كبيرة في تاريخ شبه جزيرة العرب، وما قبل الإسلام يشابه ما قبل اكتشاف النفط: حياة بدائية ليس فيها ما يثير الانتباه، أو يستدعي التأمل.
ومنذ رحيل الاستعمار الغربي إلى مطلع الثمانينيات تدفقت عوائد النفط الخليجية، وظلت دوله ترفل في السعادة والبذخ والأمان، إلى أن أطل الشبح الفارسي من الضفة الأخرى للخليج، حاملاً فكرة تصدير الثورة الإسلامية بعناوينها الخمينية، الاثنا عشرية الصادمة لسياسة ومعتقد دول الخليج، التي وجدت نفسها كاتحاد مصارف في شوارع خلفية تملأها العصابات، فكانت التحركات سريعة لإنشاء تكتل خليجي باتفاقيات أمنية بالدرجة الأولى، لمواجهة المد الفارسي أولاً، وملء الفراغ الأمني الذي خلفه الانسحاب البريطاني من الخليج ثانياً، وهو ما حدث في الرياض في مايو 1981م.
ونتيجة توفر الحالة الديمقراطية في الكويت فقط، فقد صعب على المواطن الخليجي الضغط على دوله للانتقال من مرحلة التعاون إلى الاتحاد، لأسباب أهمها أن المواطن هناك ربما تنازل عن حقه في الديمقراطية والتظاهر والتعبير بحرية تامة، مقابل رغد العيش وجودة التعليم والصحة ورفاهية الخدمات، وهذه أمور ذات اعتبارات هامة في علم السياسة، حيث تحدث الانقلابات والاحتجاجات في البلدان التي تعاني شعوبها من رداءة الخدمات، وشظف العيش، بمعنى أدق فإن تصنيف عدد من دول الخليج للإخوان المسلمين بأنها جماعة تسعى للسلطة والحكم غير دقيق، والقلق السعودي الإماراتي من الإخوان غير مبرر، فمن المستحيل لهذه الجماعة إقناع الشارع الخليجي بالمطالبة بالديمقراطية، فضلاً عن إقناعه بإيصالها إلى الحكم، خاصة والشعوب الخليجية ترى الدول الديمقراطية من حولها (اليمن والصومال والسودان) ماذا حققت بديمقراطيتها!
ووجود جماعة الإخوان في دول الخليج يمثل مصدات فكرية ودينية للمد الشيعي الفارسي، ثم إنهم مواطنون خليجيون وليسوا وافدين أو مستوردين من مكان آخر، وإزاحتهم لا يمثل غير خدمة للمشروع الإيراني، ومن خلفه أمريكا وإسرائيل، الراغبتان بتغييب الإسلام السياسي من المنطقة العربية، وعلى حكام هذه الدول مواجهة أنفسهم بالسؤال الجوهري: كم مرة سعى إخوان الخليج إلى الحكم أو فكروا بالسلطة، أو حرضوا على الإخوان؟!
الآن، وقد خابت الآمال بتطور منظومة مجلس التعاون، يمكن إعادة التدقيق في الخريطة السياسية لدول المجلس حيث تبدو بعد ثلث قرن من تكتلها أنها لم تتمكن من الحفاظ على جبهتها الداخلية، فكيف بانتقالها من التعاون إلى الاتحاد!
الخريطة السياسية لدول الخليج تظهر أن الكويت وعُمان هما الوحيدتان اللتان لم تدخلا على خط الأزمة الجديدة، المشتعلة في أربع دول، يحكمها الجيل الثالث من الأسر الحاكمة، وهو جيل متعدد الأقطاب، فقد غيب الموت الآباء المؤسسون، وغيب الموت أو أقعد المرض الجيل الثاني، وظهر الجيل الثالث يلوح في الأفق بأفكار وخيالات، مبنية على قليل من الحقائق، وكثير من وهم القوة والقلق والحسابات الخاطئة، حيث من يصنع القرار الآن في السعودية هم متعب بن الملك عبدالله ومحمد بن نائف وبندر بن سلطان، وفي الإمارات الأشقاء خليفة ومحمد وعبدالله أنجال زايد بن سلطان، وفي البحرين حمد آل خليفة وفي قطر تميم بن حمد آل ثاني، ولأن دول الخليج مستقرة سياسياً وأمنياً فقد استدعى الترف المادي جلب قضايا خلافية من خارج حدودها، وبدأ الصراع حول دعم دول الربيع العربي وفي مقدمتها مصر بعد الإطاحة بحكم الإخوان، حيث تقف قطر داعمة لثورات الشعوب، وتقف السعودية والإمارات والبحرين في الجبهة الأخرى، وألقى كل طرف بثقله المادي والإعلامي والسياسي في الجبهة التي يدعمها حتى انتقل الخلاف إلى منظمة مجلس التعاون الخليجي، وانتهى بسحب ثلاث دول سفراءها من قطر في 5 مارس الجاري، وهو ما جعل سوءة دول المجلس تتعرى، وكان لابد من التشويش على ذلك الحدث.
صحيفة الناس
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها