إلى السامعي وحاشد
خرج الناس إلى الثورة بنيّة الوصول إلى حقيقة الدولة, كنا نملأ شوارع المدن, وكنا جميعاً بقصد الاحتراس نحرّض الناس ونشرح لهم أشياء كثيرة عن ألاعيب النظام لشق صفوفنا التي كانت متراصة تماماً كسور معسكر العند فائق الامتداد والضخامة.
كان سلطان السامعي وأحمد سيف حاشد معنا يفعلان ذلك أيضاً, هل قلت كانا معنا..؟! عفواً.. في الحقيقة كانا في طليعة المهجوسين بخطورة ألاعيب النظام والعاملين بحماس لا يفتر في أوساط الثائرين لحشو عقولهم بمحاذير هذه الألاعيب.
مشكلتنا الأساس تكمن أحياناً في عجزنا عن بناء قياساتنا الذاتية وفقاً لمنطق عقلاني دقيق، بلهفة الشوق لطي صفحة صالح اعتقدنا أن خروجه ـ أي صالح ـ من السلطة يعني وصولنا تلقائياً إلى حقيقة الدولة.
غادر صالح السلطة ولم نجد الدولة؛ تنتظرنا الدولة على بعد عقود, الحقائق التي لا تتجلّى باكراً يرفضها من هم دون مستوى الوعي، وهم كثر هنا في اليمن بطبيعة الحال.
كان صالح يوقّع على المبادرة الخليجية ويخطب في القنوات: «لم أعد في السلطة، وأنا الآن في طريقي إلى المعارضة, أريد أن أعلّم المعارضة السابقة كيف كان ينبغي عليها أن تعارضني».
هو في الحقيقة لا يريد؛ بل لا يتمنّى لو أن المعارضة السابقة عارضته بذات الطريقة والوسائل والأساليب التي يعارضها بها الآن؛ مضحياً بمصالح حزبه الذي يتقاسم السلطة مع خصومه والذي ركب عليه لأكثر من ثلاثة عقود.
لأن هذا سيعني أنه سيؤول ونظامه إلى الجحيم, وفي أسوأ الأحوال سيذهب الوطن إلى الجحيم؛ وهو ما سيعني تلقائياً تصدُّر صالح ونظامه قائمة الضحايا.
مرّ عامان على مغادرة صالح, لا يبدو لنا أن ما مرّ يتجاوز مفهوم اللحظات, في ظرف لحظات يمكن لك أن تصنع فطيرة عريضة من الرغيف الساخن وكوب شاي ساخن أيضاً لكنك لا تستطيع أن تنزع ألغاماً زُرعت على امتداد خمسمائة وخمسة وخمسين ألف كيلومتر مربع، حاشد وسلطان السامعي لا يستطيعان إنجاز ذلك ولو أسندا بثلاثة آلاف كاسحة ألغام..!!.
بعض أهداف الثورة تحقّقت، ولدينا قائمة من الأهداف لم تتحقّق بعد, تأتي حقيقة الدولة في آخر هذه الأهداف كون إنجازها يمر عبر تحقيق الأهداف الأخرى جميعاً.
سلطان السامعي وأحمد سيف حاشد يريدان الدولة ويعملان بحماس شديد لإسقاط الحكومة لأنها تقف عائقاً أمام حقيقة الدولة تماماً مثلما كنا نعتقد ويعتقدان معنا أن إسقاط صالح هو المعنى الجوهري للوصول إلى حقيقة الدولة.
فكرة "الأنا" حين تستوطن عمق الذات الإنسانية؛ تختزل حضور صاحبها في صورة تضاهي في سوأتها علو جبال همالايا الشاهقة.
لا أدافع عن الحكومة، ولا أبرّر ما يُقال إنه عجز في إيجاد قاعدة لبناء الدولة, نظرتي إلى الحكومة قائمة على كونها مؤسسة تجمع كل القوى الفاعلة في المشهد السياسي, ومهمتها الأساس هي الحفاظ على ثبات وديمومة هذه القاعدة الجامعة, حقيقة الدولة من مهام سلطة ما بعد الدستور والتي سيحدّدها الشعب ويختارها بحرية كاملة حينها.
غير هذا بإمكاننا أن نفتح ملفاً للتحقيق في حيثيات عجز الحكومة في جوانب أخرى كالأمن والاقتصاد، وسوف نخرج بتصوّر لمجمل المعيقات التي وقفت حجر عثرة أمام نجاح الحكومة, ساعتها قد تتصدّر ممارسات السامعي وحاشد وجبهتمها قائمة هذه المعيقات.. لا؛ بل من المؤكد أنها ستكون في الصدارة.
[email protected]
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها