بصمة وجود
إذا أردت محاربة ظاهرة اجتماعية ذات أبعاد اقتصادية مثل الفقر في مجتمع يرزح نصف سكانه تحت خط الفقر فهذا يعني أنك قررت المغامرة غير المحسوبة,لكن أياً يكن الأمر إن مشيت في هذا الطريق فإنك تسجّل بصمتك في الوجود وتترك اثراً ينفع آخرين ويمكن أن يغري الراغبين في تكرار التجربة.
وفي ظل حالة الجدب من المبادرات المجتمعية إلا قليلاً,يقود مجموعة من الشباب والفتيات المتطوعين والمبدعين منذ نحو عامين مبادرة أطلقوا عليها في البداية "ثائرون ضد الفقر",ثم تحولت إلى "بصمة وجود",وهي منذ ميلادها تؤتي ثمارها بفضل جهود القائمين عليها والداعمين لأهدافها.
هذه المبادرة التي جاءت في لحظة المجتمع في أمس الحاجة إلى مثلها منحت الأمل ورسمت البسمة في شفاه أسر طحنها الفقر والعوز وقلة ذات اليد دون أن تمد يدها لأحد إلا ممن يسدون إليها الخير من غير طلب منهم.
تولى إطلاق المبادرة يمني مغترب في السعودية ثم سرعان ما وجدت تجاوباً والتف حولها شباب وفتيات في الداخل يتزايدون يوماً بعد آخر في بادرة ايجابية متميزة تستحق التقدير والتسويق لتكون نموذجاً يُحتذى في إطلاق مبادرات تخدم المجتمع وتعيد مفهوم العمل التطوعي للواجهة مع ترسيخ ثقافته في أوساط المجتمع.
يقول سليمان النواب وهو أحد الشباب المتطوعين في المبادرة,إن فكرة عمل المبادرة لها عدة أهداف رئيسيه تصب جميعها في تقديم ما أمكن من المواد الغذائية والملابس والعلاج للأسر الفقيرة والمعدمة التي تحتاج إلى ذلك.
من هذه الأهداف فتح محال صغيرة وتمويلها كي تغطي نشاط المبادرة وبالفعل تم فتح محل لبيع (الشبس),ما يزال يعمل منذ عام ونصف وريعه يذهب لصالح أهداف المبادرة.
يركز المتطوعون في المبادرة على استهداف الأسر الفقيرة التي لا تصلها الجمعيات الخيرية وهذا يتطلب جهداً ووقتاً من النزول الميداني من أجل المسح في الأحياء للتأكد من وجود هذه الأسر وتقدير احتياجاتها المطلوبة.
بعد أن يتم إعداد البيانات تتم الموازنة بين الأسر الأكثر احتياجاً لتكون في الأولوية ومن ثم يشتري شباب المبادرة من التبرعات التي تصلهم احتياجات هذه الأسر من مواد غذائية وبطانيات وموكيت والعلاج للمرضى إن وجدوا.
يقول سليمان النواب,إن لديهم مبدأ لا يمكن تجاوزه في عملهم وهو عدم تصوير أي شخص يتم منحه أي شيء لأن كرامة الإنسان عندهم مقدسة ولا يمكن المساس بها ويكتفون فقط بتصوير أعضاء الفريق والمساعدات التي بحوزتهم سواءً أثناء تنقلاتهم في الأحياء أو حملهم المساعدات.
في سجّل الانجازات تمكنت المبادرة العام الماضي من تخطي الحدود المرسومة لها ونجحت في حملات بطانية الشتاء وسلة رمضان وكسوة العيد والأضاحي والزي المدرسي وهذا العام تم توزيع أكثر من 200 بطانية وأكثر من 100 فرش ووساده وعشرة موكيتات من النوع الجيد وذات الثمن المرتفع وليس المستعمل.
وهنا يمكن تسجيل تحية إعجاب وتقدير للمبادرة في كسرها رتابة العمل الطوعي التقليدي وذهابها أبعد في خدمة الأسر المحتاجة إلى ما يتجاوز سد حاجاتها من المواد الغذائية إلى حتى وسادات وفرش النوم.
وللمرضى الفقراء نصيب من خدمات المبادرة,فهي تقدم لهم الأدوية خاصة ممن كانوا يعانون من أمراضٍ مزمنة وتعتزم إرسال ثلاثة معاقين إلى الخارج لتلقي العلاج بعد أن تتمكن من تدبير الاحتياجات المطلوبة.
إن أعمالاً كهذه لابد وأن تجد صدىً وتجاوباً من أوساط المجتمع لاسيما من القادرين على تقديم الدعم وهذا ما حصل عندما كان متطوعو المبادرة في أحد شوارع صنعاء يجلسون على الرصيف وهم يغلفون هدايا لمرضى السرطان في مستشفى الثورة,وهو ما أثار انتباه أحد المارة وهو تاجر الذي سألهم عمّا يفعلون ليخبروه أنهم متطوعون وهدفهم إسعاد الناس ومساعدتهم قبل أن يعرض خدمته عليهم.
وبالفعل تم التواصل معه لاحقاً وأعطى مبلغاً تم تسخيره لزيارة مرضى آخرين في مستشفى الكويت وهذا التفاعل والدعم جزء من التفاف يقول القائمون على المبادرة إنه متزايد بشكل يدفعهم للاستمرار أكثر.
وإذا سأل قائل من أين يغطي المتطوعون نفقات أنشطتهم,فإننا نرد عليه – كما أفادنا سليمان – بأن المبادرة تعلن في صفحتها على الفيسبوك أولاً بأول كل مبلغ تحصل عليه من أي جهة وترفقه بفواتير دالة على ذلك.
لا توجد شروط في الانضمام للمبادرة عدا الإيمان بفكرتها وأهدافها والاستعداد للعمل من أجل تحقيق تلك الأهداف على أرض الواقع بشكل طوعي ودون انتظار أجرٍ أو عطاء من أحد.
المبادرة تستحق التشجيع والدعم لترسيخ ثقافة العمل التطوعي وتوسيع نشاطه في أكثر من مجال حتى يتحول المجتمع إلى خلايا نشطة متعاونة يسودها التكافل والرحمة والتعايش والوئام.
إن من الإنصاف أن نذكر بعضاً من أسماء أعضاء الفريق ليس من باب الترويج لهم وإن كانوا يستحقون مع أنهم لم يطلبوا ذلك ولكن من أجل التعرف عليهم والتواصل معهم للاشتراك في هذه المبادرة الرائعة ومن هؤلاء الرائعين في السعودية عادل السلمي وفي اليمن نادية عبدالله وسليمان النواب ويوسف عجلان وهشام اليوسفي وآخرين لا يتسع المقام لذكرهم وهم يستحقون الشكر والتقدير.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها