ثورة ثانية في مصر..
القائد لا يقدم الأعذار لنفسه
هنري بيشر
ما الوصف الملائم لقرارات الرئيس المصري بالغاء الإعلان الدستور المكمل وإقالة كبار قادة القوات المسلحة التي تحكم مصر منذ ستين عاما. الصحف المصرية أعتبرت حزمة القرارات تلك بمثابة القنبلة، وبعضها توقف عن كونها مفاجأة مدوية وغير متوقعة. أما الصحف العالمية فقد وقفت حائرة، فمجلة تايم الأمريكية تساءلت: "قرارات مرسي انقلاب على العسكر أم صفقة معهم؟"، فيما ناقشت صحيفة "يو إس إيه توداي" الأمريكية القرارات من زواية تأثيرها على شعبية مرسي، ووفقاً للصحيفة فإن هذا الأخير زادت شعبيته وعادت ثقة الشعب فيه بعد أن انخفضت أسهمه مؤخرا، قائلةً:"قرارات الرئيس الإسلامي الجديد للبلاد محمد مرسي بشأن إقالة المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع السابق وسامي عنان رئيس هيئة الأركان في الجيش وإحالتهما إلى التقاعد لقت ترحيبًا غير عادي بين طوائف الشعب الذين غمروا الشارع المصري الأحد ليساندوا قرارات الرئيس التي اعتبروها "قرارات ثورية" واستكمالًاً لأهداف الثورة وتطهيرًاً لمؤسسات الدولة من بقايا النظام السابق. أما صحيفة "تليجراف" البريطانية، فاعتبرت قرارات مرسي بإقالة كبار قادات الجيش بأنها محاولات مثيرة لفرض السيطرة المدنية الخالصة للدولة المصرية خاصة مؤسسة الرئاسة.
ردود أفعال القوى السياسية المصرية تجاه قرارات مرسي في مجملها أتت باهتة وعادية جداً وكأن الرجل أقال موظفين كبار وحسب، فباستثناء الأحزاب الإسلامية وشباب 6 أبريل وكثير من شباب الثورة وبعض الشخصيات السياسية مثل الدكتور محمد البرادعي والروائي العالمي علاء الإسواني، والإعلامي حمدي قنديل، والإعلامية والناشطة السياسية جميلة اسماعيل تعاملت الاحزاب السياسية الليبرالية واليسارية بكثير من الخفة والبلاهة أحيانا.
هاكم أمثلة على انتهازية البعض وسوء قراءته لما حصل: على شاشة ال"بي بي سي" قال جمال فهمي وهو وكيل نقابة الصحفيين أن قرارات مرسي انقلاب على المجلس العسكري!، حزب التجمع اليساري الذي يقوده الدكتور رفعت السعيد المشهور بمعارضته للإخوان اعتبر قرارات مرسي غير شرعية، مؤكداً أنها تصب في مصلحة ما يسمى بأخونة الدولة. وهذا ما ذهبت إليه أحزاب الوفد والمصري الديمقراطي الاجتماعي والجبهة الوطنية ذات التوجه الليبرالي التي وصفت قرارات مرسي بالانقلابية، وتصب في مصلحة فصيل معين، وهم الإخوان، وقال سامح عاشور نقيب المحامين ورئيس الحزب الناصري أن الإخوان المسلمين سيطروا على كل شيء في البلد. وربما هذا أيضاً ما عناه المرشح الرئاسي حمدين صباحي برغم ترحيبه بقرارات مرسي، إذ طالبه بخلع عباءة الإخوان. أما مؤيدي النظام السابق من سياسيين وقانونيين فقد دعوا صراحةً للإنقلاب العسكري على الرئيس المنتخب.
وكما هو واضح ففي كل تلك المواقف لا يوجد أشارة واحدة تدل على أن هناك محاولة جادة لفهم ومغزى قرارات مرسي، وربما كان العداء لجماعة الإخوان المسلمين عائقاً أمام حصول ذلك، وهذا ما جعل أحد أبرز الوجوه الليبرالية وهو عمرو حمزاوي أن يدعو القوى الليبرالية والوطنية للالتفاف حول قرارات مرسي وعدم المساومة، لأنها قرارات تذهب فى الاتجاه الصحيح وتنهى الموقع غير الديمقراطى للمجلس العسكرى.
لعل أفض توصيف لقرارات مرسي، هي أنها ثورة ثانية، نعم بكل المقاييس هي ثورة، وكم كان محقاً رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عندما علّق على قرارات مرسي بالقول:"لقد اختصر الرئيس مرسي الطريق في أقل من شهر"، وهو ما عبرت عنه صحيفة"يديعوت أحرونوت" الأسرائيلية التي اعتبرت: "ما فعله أردوغان فى 5 سنوات نفذه مرسى فى ضربة واحدة".
ورغم أهمية تعليق اردوغان كونه صاحب تجربة ناجحة في إخضاع القادة العسكريين للمدنيين المنتخبين، فإن من المهم التوقف عند رأي الإعلامي المصري الكبير عمادالدين أديب، وتكمن أهمية ما قاله أديب من كونه على خصومه مع جماعة الإخوان المسلمين، واتخذ جانب أحمد شفيق في مواجهة مرسي، بالإضافة لكونه أحد أبرز صناع الإعلام في مصر والعالم العربي، فقد أعتبر أديب في مقابلة تلفزيونية القرارات التي اتخذها الدكتور محمد مرسي في 40 يوماً أكثر مما أتُخذ في أربعين سنة من تاريخ مصر وكلها "تأسيسية" و"كبيرة".
لقد أثبت الرئيس محمد مرسي أنه رجل قوي ورجل اللحظة التاريخية، ففي المراحل الصعبة، وخصوصاً تلك التي تلي الثورات لا يجب الترحيب بسياسيين لا يملكون الجُرأة، والثقة في أنفسهم وفي شعوبهم.