اغتيال هادي كان سيمثل الانفجار العظيم
الذي سيبدد النسيج الوطني، ويدخل اليمن في السديم: دول وجهات بلا حصر.
يعرف حزب الإصلاح، ويدرك الجنرال علي محسن، هذه الحقيقة المفزعة.
ويعلمون أكثر من ذلك أنهم سيكونون في طليعة أكبر الخاسرين.
آلت الثورة إلى حقيبة هادي. اختفاء هادي مع حقيبته سيعني باختصار أن الثورة نجحت في إزاحة النظام وخسرت مشروع الدولة.
يدرك حزب الإصلاح
ويدرك الجنرال علي محسن أن مثل هذا الكابوس، فيما لو حدث، فسينسف كل ما قدموه لأجل إزاحة نظام صالح، وتعطيله.
بقي للجنرال علي محسن الأحمر بضعة صور يلتقطها بين الحين والآخر جوار
الرئيس هادي.
لطالما قال الجنرال إن بندقيته حرست صالح ونصبته رئيساً، ثلاث مرات على الأقل. في آخر صورة للجنرال مع الرئيس هادي بدا وكأنه يقول: ها أنذا أخيراً تحميني بندقية الرئيس.
أو بصورة أخرى: أقف أخيراً إلى جوار المنتصرين، لست بحاجة لمتاريسي القديمة.
في واحدة من احتفالات الجمهورية الرسمية قبل سنوات قليلة شاركت حوالي 107 دبابة تابعة للفرقة في عرض عسكري. بعد العرض أدخلت جميع الدبابات مقر الأمن المركزي، ولم تعد إلى الفرقة حتى الآن!
كانت الحرب الباردة التي خاضها الجنرال ضد صالح منذ 1994 مرهقة للأول. الآن يشعر بالراحة والاسترخاء وهو يرى هادي يخوض حرباً جديدة، ومثيرة، ضد صالح. الجنرال الذي يرقد على مشارف الثمانين من العمر يبدو مرتاحاً لهذه النهاية: حضور رومانسي كثيف لدى مرؤوسيه السابقين ولدى جيل جديد لم يجد سبباً واضحاً يقنعه بفكرة أن تأييد الجيش للثورة كانت جريمة مدبرة. الجيوش التي ساندت الثورات، في التاريخ، كانت في طبيعتها جيوش النظام نفسه، خاضت حروبه وقمعت خصومه، وهيمنت على الجماهير باسمه، ثم انحازت في زمن ما للثورات.
هذه النهاية الرومانسية لزمن الجنرال هي نهاية درامية، في طبيعتها، لشخصية لم تكن قط رومانسية ولا شاعرية.
ورغم أن المشهد السياسي الكلي احتفظ بصور نفس الفاعلين، مقارنة بصورة المشهد قبل أحدى عشر فبراير، إلا أن علي محسن يبدو الشخص الوحيد الذي تخلى عن / جرد من قواه.
الحرس الجمهوري هيكل لغوياً. أصبح الآن "الاحتياط". لا يزال حتى اللحظة بودي
جارد العائلة.
في أغسطس الماضي خرج الحرس الجمهوري من الثكنات واحتل الشوارع. كتب حينها إن الجيش يتظاهر لأجر أكرامية رمضان.
كانت المرة الأولى في التاريخ التي يتظاهر فيها الجيش بسلاحه بحثاً عن إكرامية!
الجنرال علي محسن يتجاوز الآن ال 76. فعل أمراً غريباً للغاية، بخلاف الظواهر النفسية المعروفة تاريخياً:
بنى مملكته الخاصة في فراغات الدولة، ولم يؤسس لهيمنة سلالية.
بتعبير آخر: بنى مملكة ضاربة، نفسياً ومادياً، تنتهي بموته. مملكة بلا ورثة. لذلك يبدو الآن أكثر استرخاء من خصومه.
عندما كان زوجان يغرقان في اليم فإنهما بدلا عن أن ينقذا نفسيهما ذهبا ينقذان طفلهما، وغابا في اليم إلى الأبد.
السلالة، التناسل، هي الظاهرة البشرية الأكثر توهجاً، وشراسة.
لا يبكي صالح لأنه تحول من رئيس لليمن إلى رئيس للقاعدة
بل لأن سلالته غرقت في اليم.
هذه اللعنة السيكولوجية نجا منها فيما يبدو علي محسن
فكل ما في الأمر أنه خرج من مملكته التي وقعت لزمن طويل خارج الأنظار
وأصبح بطلاً قومياً لدى شريحة كبيرة من البشر. وبالضرورة، وشريراً لدى شريحة أخرى.
اغتيال هادي كان حدثاً سيزلزل سكينة الجنرال، ويضعه في مواجهة عزلاء مع خصوم بلا ملامح ولا صفات واضحة
وهو على مشارف الثمانين، خارج مناعته التاريخية.
أما الإصلاح الذي يتهيأ لحكم اليمن عبر ما يتوقعه من حضوره الجماهيري فلن يجد اليمن الذي يحكمه.
الدولة التي تتجه إلى الاستقرار شيئا فشيئا ستوفر للإصلاح مجاله الذي يتقنه: الفوز في الانتخابات من الرئاسة للنقابة
وستوفر للجنرال موتاً هادئا على مشارف ثورة لم يتردد، بصرف النظر عن الأسباب، عن المخاطرة بحياته لأجل إسنادها.
فضلاً عن هناك قوى خارجية وداخلية ممسوسة من فكرة الثورة. فقد كتب الوليد بن طلال على تويتر قبل أشهر: الربيع العربي وباء معدي، لا بد من القضاء عليه.
اتهام علي محسن، عبر الصحيفة الرسمية المدينة، يعني
علي محسن يجب ان يدفع ثمن الربيع العربي
ليس لأنه ساند صالح لربع قرن من الزمن
بل لأنه لم يسانده بعد ذلك.
تبدو هذه هي ورطة الجنرال الحقيقية.
أما الإصلاح فهو يعيش حالة تربص، سياجه الوحيد اتجاه الدولة للاستقرار، والإبقاء على هادي رئيساً.
هذا الطريق هو الأكثر أماناً لحزب مليء بالحيوية، والتناقضات الداخلية، وليس له أصدقاء.
لكل ما سبق يبدو اتهام حزب الاصلاح وعلي محسن بمحاولة اغتيال هادي
فكرة هشة، وغير نظيفة.
ثمة اختيار آخر، هو أن يواصل المرء القول إن حزب الإصلاح حشد من المجرمين المقنعين، وأن الجنرال علي محسن ليس أكثر من مجرم.
شخصياً أشك في قدرة هذه الجملة الكلاسيكية على التبصير والشرح، فضلاً عن كونها جملة كبيرة تمشي على الطريقة العربية: الأحكام النهائية الفضفاضة التي تخترع الأعداء، لا تكتشفهم، وتتجاهل الوقائع لأنها تبحث عن إجابات بعينها.
لطالما قيل:
من اقتنع بعكس ما يريد يصر على رأيه السابق.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها