الإصلاح وخط بناء الدولة..
الصراعات المسلحة داخل المجتمع لا يمكن أن تكون مخرجا للإفلات من قبضة الاستبداد السياسي هذا اذا لم نقل انها طريقا يفضي الى وقوع البلاد كلها في قبضة الاستبداد من جديد وهو ما يجعل الصراعات المسلحة النقيض لفكرة الدولة الوطنية ومشروعها السياسي .
الذين يلومون الاصلاح على سياسته التي أخطتها وهو يتعامل مع ملف نزاعات صعده المسلحة وأخرها الحرب على دماج وصل حد الحديث عن الخذلان لا يتفهمون أصلا الأساس المرجعي الذي يعتمد عليه الإصلاح في تحديد موقفه من اخطر قضية يمكن أن تواجه عملية بناء الدولة ولو أدركوا هذا الأساس لصار لومهم مديحا, فالحروب تجعل من القوى المجتمعية أدوات هدم للدولة القائمة أو تلك التي تعيش حالة ضعف انتقالي كما هو حالنا في اليمن .
ضعف الدولة لا يمكن تجاوزه إلا بانخراط الجميع في سوق السياسية وتقويتها فالدولة الضامنة للحريات السياسية والحقوق الاقتصادية لا تولد إلا تعبير عن رواج سوق السياسية ومن داخلها حيث يتمكن الجميع من التعبير عن انفسهم ومشاريعهم بحرية في مشهد تواصلي وتبادلي للأفكار والمواقف يكشف عن طبيعة المستقبل الذي سيولد منه فيما سوق الحرب لا ينتج سوى سلطات قهرية لا تعرف سوى السير في اتجاه واحد كالرصاصات التي كانت سببا في وجود هذه السلطة فلا صوت إلا صوت الاقوى و لا حرمة إلا لمن حمى نفسه فالدولة بنت الساحة التي ولدت فيها والدولة الوطنية لا يمكن أن تكون مولودا للحرب وهي الساحة المتخصصة في إجهاضها تاريخيا كونها التي تتكفل بإفراز القوى التي تستقر في مواقع السلطة والسيطرة دون اذن الشعب .
الأرضية التي وقف عليها الإصلاح ويقف الآن وهو يتعامل مع موضوع النزاعات المسلحة هي فكرة الشعب الذي في حال تمزق صار الوصول الى الدولة الوطنية مستحيلا حيث لا دولة فوق جسد متناثر الأطراف وهو ما يعني بقائنا تحت رحمة سلطات الأمر الواقع الصغيرة في الأطراف او الكبيرة في المركز وهو وضع كان قد رفضه الشعب حين ثار والتزم حين أسقطة خطا نضاليا سلميا وغير عنيف .
الذين يلومون الاصلاح اليوم على تقصيره في دعم دماج وفق تقديراتهم سيشكرون له صنيعة هذا ذات يوم حين يدركون ان خط الاصلاح هو الاكثر نفعا للبلد ولهم, فالإصلاح ليس سوى حزب سياسي وليس جماعة مسلحة ووظيفة الحزب تجميع الجهد المجتمعي وتكتيل طاقات أفراده سلميا ولأجل الانخراط في العمل السياسي.
سوق الدولة وساحة تغذيتها بالبرامج السياسية والقيادات التي ستنفذها وهذا ما يجب ان نقوم به, ومن جانب اخر يجب محاصرة سوق الحرب وإدانتها وكشف الأضرار التي تلحقها بالإنسان الذي تلتهم إرادته قبل جسده وبالشعب حين تسقطه باعتباره فكرة ملهمة ووجدان عام تمهيدا لتمزيقه وبالدولة التي تضعف الحرب صورتها في اذهان الناس تمهيدا لمحاصرتها بسلطات الامر الواقع وهي مخاطر ثلاث تهدد الانسان والشعب والدولة كأبرز مكتسبات الكفاح الوطني الطويل مما يوجب حركة وعي وتوعية بتلك المخاطر وسعي وفعل سياسي لإيقاف عجلتها وسحب السلاح من أيدي الجميع ووضعها في يد الدولة صاحبة الحق الحصري في حيازته واستخدامه .
المحاصرة للحرب عبر ادوات السياسة ومنطق الدولة هو الدور الذي يلتزم به الإصلاح وسيبقى وففيا له باعتباره الدور الذي يضمن إيقاف الحرب القائمة بل وجعلها آخر الحروب نظر لطبيعة الحل الذي يؤكد عليه ذو الأفق الوطني لكونه الذي سيوقف السباق على السلطة بأدوات العنف بل ويسقط فكرة السلطة باعتبارها جائزة الاقوى عنفا وتقصرها على الاقوى برنامجا القادمة من ساحة التنافس الانتخابي التي تثبت للانسان كل حقوقه وصولا الى حق اعتلاء الموقع السياسي في البلد لا من ساحات العنف التي تفقد الانسان كل حقوقه وصولا الى حق الحياة, فالإصلاح يتجه نحو الدولة الضامنة لسوق الانتخابات والسياسة ومنع الحروب التي تنتشر في أوقات ضعف هذه الأخيرة وهو يوفر البيئة لحروب العصابات المسلحة .
الدولة الضامنة لحرية الانسان والقادرة على نزع الأدوات التي تهدد تلك الحرية دون ان تكون إجراءاتها تهديد لأحد بل حماية للجميع هو ما يسعى له الإصلاح وبالطبع ليس آخر هذه الإجراءات نزع السلاح بل والأهم من ذلك نزع حالة الخصام البيني من الثقافة المجتمعية وتغذية حالة السلم في الوعي العام وجعله أحد مسلمات الثقافة الوطنية التي متى ما تعافت من مغذيات الاحتراب الفكري التي تمارس الاغتيالات المعنوية المتبادلة فان مشاريع الاحتراب المادي سوف لن تجد سوقا تعرض يه بضاعتها كما لن تجد من يقتنيها بعدما أصبحت مكشوفة الأضرار .
هذا الموقف لا يكتمل بدون أدانه القتل والقاتل كمبدأ يمهد لاستقرار حق الحياة في شرعة الضمائر والاخلاق التي توجه سلوكنا قبل ان يوجهنا القانون فمن سقط من مشاعره الحس العام الذي يتجلى في لحظات هتك نسيج الجسد المجتمعي الواحد فلن يكون فاعلا في التئامه يوما فالجزار لن يكون يوما طبيب, فدورة لا يتعدى الذبح .
* الكاتب نائب رئيس الدائرة الإعلامية في التجمع اليمني للإصلاح.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها