دماج .. مد الدم وجزر الحبر
دماج .. وادي في محافظة صعدة شمال اليمن.
قبل قرابة اربعة عقود أسس شاب يدعى مقبل الوادعي مركزا سنيا في هذه المنطقة لدراسة العلوم الشرعية.
كبر الشاب العائد من بلاد الحرمين ومعه كبر الدار الذي بات يعرف بدار الحديث.
انتشر خريجوا الدار في كل أصقاع اليمن ينشرون العلوم الشرعية وفقا لفهم السلف الصالح.
ومع ذلك ظل الدار ورواده بعيدا عن الإعلام داخليا وخارجيا رغم أنه يحوي قرابة أربعة آلاف طالب من خارج اليمن من أصل عشرون ألف شخص يقطنون المنطقة جلهم من طلبة دار الحديث.
يطلق على خريجي الدار بالسلفيين ويعرف عنهم تشددهم في جملة من الأمور منها رفضهم للحزبية ورفضهم للإعلام وتحريمهم للتصوير وكذا رفضهم الخروج على ولآت الأمر وانكارهم للكثير من الأشياء التي يرون فيها تقليدا اعمى للغرب , ومع ذلك ظلوا بعيد عن مصادمة المجتمع أو السلطات الرسمية.
فجأة قفز أسم دماج الى الواجهة وجرى تداول اسم المنطقة على نطاق واسع في وسائل الإعلام في النصف الثاني من العام الفين وأحد عشر عندما بدأت مليشيات الحوثي " الإثنى عشرية " _ التي خاضت ست حروب مع الدولة وسيطرة على محافظة صعدة _ حصارها على المنطقة ومحاولة فرض سيطرتها عليها.
على مدى أشهر من العام الفين واحد عشر ظلت دماج محاصرة حتى أصبحت وجبة واحدة من الزبيب هي كل ما يتناوله الشخص الواحد في اليوم لفترة طويلة , وعندها بدأت القبائل التي لديها طلاب يدرسون هناك بالتحرك لوقف الحصار , وحتى لا تزداد الامور سوءا قاد مشائخ قبليون جهود وساطة أفضت الى انهاء الحصار أو تخفيفه.
غير أن الحوثيين ظلوا طيلة العام الفين واثنى عشر وبداية العام الفين وثلاثة عشر يتحكمون بالطرق المؤدية الى المنطقة وسقط أكثر من قتيل من الطلاب على تلك النقاط الأمنية الخارجة عن سيطرة الدولة كما تم مصادرة كتب واغراض شخصية لأخرين.
وبالعودة الى الثامن عشر من مارس الماضي كان ممثلو مختلف أطياف الشعب اليمني بقواه المختلفة بما فيها السلفيين والحوثيين يجتمعون على طاولة الحوار الوطني الشامل , وتم تكوين فريق خاص ضمن قوام مؤتمر الحوار لحل قضية صعدة , ووضعت الكثير من الإجراءات والضوابط الضامنة لبقاء صعدة محافظة يمنية تحت سلطة الدولة وتم الاعتذار لأبنائها عن الحرب التي جرت بين التمردين الحوثيين والدولة وحين وصل الحوار الى المحطة قبل الأخير أعاد الحوثيين محاولة السيطرة على دماج وحشدوا الحشود وجمعوا آلياتهم العسكرية صوب المنطقة في محاولة لإنهاء التواجد " السني " في المحافظة واخضاعها كامل المنطقة لنفوذهم.
اربعون يوما مضت من الحرب على دماج وما يزال ابنائها صامدين رغم فارق العدد والعدة , فالحوثيين يهاجمون المنطقة بأكثر من أربعة عشر دبابة وراجمات الكاتيوشا والمدفعية وغيرها من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة التي حصل عليها الحوثيون خلال حربهم مع الدولة أو سلمت لهم بتواطؤ من قبل بعض قادة الجيش المحسوبين على نظام الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح , فيما يدافع السلفيون عن دماج وتواجدهم بالسلاح الشخصي " الخفيف " والخنادق التي حفروها في الوديان لمنع تقدم الحوثيين واتقاءا للقناصة.
أكثر من مائة قتيل ومئات الجرحى سقطوا من السلفيين حتى الآن حتى غدى الدم المراق يطغى على الحبر الذي يختط به الطلاب مؤلفاتهم وحروف كتبهم.
ويبقى السؤال مفتوحا .. هل ستنتصر الدولة لوجودها أم أنها ستتبرأ من رعاياها وتتركهم فريسة للمليشيات.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها