غزوة وادعة بكونها مأساة وملهاة !!
الى قبل غزوة وادعة في صعدة كان الكلام منصبا في نجاح مؤتمر الحوار أو فشله ، في شكل الدولة وبنيويتها وملاءمتها لحقبة الألفية الثالثة ؛ لكنني وبلا مشيئة او رغبتي مني مضطرا الآن للرجوع الى الألفية الاولى للهجرة وتحديدا الى ما قبل ألف واربعمائة سنة كاملة ، فلكي أحدثكم عن غزوة دماج كان علي مغادرة مقررات جلسة الختام في قاعة فندق " موفنبيك " وصنعاء في غرة نوفمبر 2013م الى خيام وبيداء وخيول ، والى دم نازف مهدر ورؤوس ومنايا حصدتها سيوف قبائل عُرب بدوية متناحرة في القرن السابع الميلادي .
يا لهذه المفارقة البائسة ! ففيما اليمنيون وبلادهم في محنة البحث عن خيط ضوء يخرجهما من دياجير وعتمة القرون المظلمة الحالكة بالاضطهاد والاستبداد وإذا بنا نسلك الطريق الخطاء العائد بالجميع الى حروب الردة وصفين وكربلاء والى زمن العصبية الجاهلية وصراع اسياد القوم - الانصار والمهاجرين - في سقيفة بني ساعده او ثأر بنو هاشم وأميه المتناحرتين قرونا حول مسألة الاحقية بولاية الحكم .
محزن للغاية اقتتال اليمنيين وعلى هذه الصورة المفزعة البشعة المشاهدة في صعدة او سواها من المناطق الاسيرة لمعتقداتها الخاطئة الراسبة في اذهان الكثير ممن اختمرت عقولهم فكرة الفئة النقية السامية أو الفئة الناجية الحقة ، فكلاهما القاتل والمقتول في معركة مكلفة مستنزفة للبشر وللوقت وللتنمية وللاستقرار ، وكلاهما في المحصلة يمنيون ومواطنون ومسلمون واناس جديرون لأن يعيشوا بسلام ووئام كي يعمروا وطنهم وكي يقيموا دولته العادلة المنشودة المسؤولة عنهم كافة ودونما تمايز او اقصاء او اضطهاد أو استعباد .
نعم أنه لشيء فظيع ومخجل هذا العنف المفرط المقترف اليوم والامس في سبيل فكرة ضالة خاطئة جامدة موغلة في انتقامها وثأرها ،فويل لأُمة كثُرت فيها الطوائف وقلَّ فيها الدَّين وفق قولة جبران خليل جبران . أتساءل هنا : أي دين هذا الذي لا يتورع اتباعه عن قتل النفس المحرمة في كل شرائع السماء والارض وعن سفك الدم واقلاق السكينة واشاعة الرعب ومنع فرق الاغاثة الانسانية عن مداواة الجرحى وتأمين النازحين من الاطفال والنساء بالغذاء والمأوى ؛ بل ووصل الامر الى انتهاك فج وقميء لرفاة الموتى ولبيوت الله وقدسيتها التي لم تسلم هي الاخرى من العبث والاستغلال .
غزوة وادعة قد أخذتنا بعيدا والى حيث لا نود او نريد او نتوقع يوما اننا سنكون بيادق معركة قديمة حسبناها إرثا ماضويا يستلزم العبرة لا الهرولة وعلى هكذا منوال . نعم كنت متابع متلهف لمجريات مؤتمر الحوار ولماهية الوصفة السحرية التي يمكنها الهام غالبية اليمنيين التواقين لدولة حقيقية كما وكنت اتحين اللحظة التي سيخرج بها السيد جمال بنعمر كي يعلن نهاية لهذا الماراثون ؛ لكن وبدلا من ذلك عاد الحوار والفرقاء ومساعد امين عام الهيئة الاممية ألف واربعمائة سنة للوراء إذ أطل بن عمر وعلى فضائية اليمن قائلا : أيها المحاربون القدماء ارجوكم أوقفوا حربكم اللعينة ،إنها لعبة قذرة ناسفة للعملية السياسية التي لم تستطع معالجة ما ترتب عن حربكم قبل عقدين وثلاثة حتى تحملونا تبعات اربعة عشر قرن .
خُيل لي انه اراد قول مثل هذا الكلام ، فما يجري في هذه البلاد بكل تأكيد مربك ومقلق – وايضا – مثقل ولحد الانهاك والتفكيك المفتت لكيان دولة مازال هشا وضعيفا وغير قادر على تحمل تبعات اضافية كهذه التي يساق اليها اليمنيين فجأة ودون رغبة او مشيئة لخوضها إنابة عن الاخرين .
فمعركة صعدة ربما عدها البعض محاكاة لتجربة حزب الله في جنوب لبنان ، فمن هذا المنطلق جرى استنساخ " انصار الله " في شمال اليمن ،وعلى هذا الاساس ينافح عبد الملك الحوثي واتباعه عن جغرافية خالية من منغصات طائفية وهابية او زيدية ؛ لكن صعدة ليست جنوب لبنان وانصار الله لن يكونوا نسخة مستنسخة من حزب الله ؛ ولأن شمال اليمن غير جنوب لبنان او العراق ؛ فإنه لمن الاستحالة توطين التشيع في بقعة واحدة وإن كانت في مساحة محافظة ك " صعدة " باعتبارها منبت ومؤول وتاريخ وأول حاضن لمتشيعة الامام الهادي ودعوته الزيدية
وعلى فرضية اخلاء دماج من كافة مريديها من طلبة السلفية المستنسخة من فكرة الحنبلية الوهابية التي بشر بها وأسسها في وادعة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله ؛فهل يعني خلو صعدة من اتباع هذه المدرسة المغالية بمنهجها وتفسيرها وتأويلها ؟ وهل يعني خلو صعدة من الاخوان المسلمين ومن الزيدية المعتدلة المتعايشة قرونا مع محيطها المذهبي ؟ .
فما لم يضعه بالحسبان متشيعة المظلمة التاريخية الثأرية هو ان الواقع أكبر من ان يتم إعادة رسمه ذهنيا ومذهبيا ، فما شكلته قرون من التمذهب والتلاقح والقناعات والممارسة لهو أكبر من ان يمحى ولمجرد رغبة فئوية خرقاء اراد صاحبها احداث تغيير مؤثر وبقالب اعتقادي خارق غايته استحقاق سلالي ثيوقراطي في الحكم .
خلاصة الكلام وفي كلا الحالتين نحن إزاء فكرتين متصادمتين لا مكان لهما في المستقبل ، فما يجري اليوم في دماج مأساة فاطرة لقلب الانسانية وتستدعي وقفها من الدولة ؛ ومع كونها معركة خاسرة وقودها اخوة وابناء وطن واحد ودين واحد فهذا يدفعنا لمطالبة الدولة ببسط نفوذها وزمامها قبل ان تتفاقم رقعتها فتجرنا جميعا الى منحى خطر وكارثي لا يستفيد منه سوى اولئك الذين ادمنوا بقاء البلاد والعباد خارج سياق الدولة والنظام .
إنها معركة طارئة وعبثية منافحة من اجل ماض مات موغل بالعنف والثأر والبطريركية والتزمت والاستعباد لا معركة من اجل مستقبل مستقر ومزدهر ،معركة لا صلة لها البتة بمعركة الحاضر التي ينبغي ان تكون بالحوار ووسائله السلمية المتحضرة وبخطابه ومقرراته وافكاره المؤسسة لدولة ديمقراطية حديثة . أيا يكن المبرر وأيا يكن المنتصر أو المهزوم فكلاهما سببا في تخلف اليمن واليمنيين كما وكلاهما في مأزق حقيقي وعليهما مواجهة مصيرهما المنتظر والخشية كل الخشية أن نجد انفسنا في خضم معركة خاسرة كسابقاتها الوائدة لأحلام وتطلعات الاجيال الماضوية .
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها