صحافة المصدر الخاص
سيكون من الخطأ أن تعمل الصحافة على إرباك المجتمع وإقناعه بأن العمل السياسي عملا غير نزيه وأنه لا يقود إلا إلى المصالح الخاصة وفرق بين أن تقوم الصحافة بتقديم المعلومات للناس حول الأحداث والقضايا التي تطرأ على الحياة العامة ليتمكن هو من تحديد خياره حيالها وبين أن تقوم بتزويده بأحكام جاهزة حول تلك القضايا في الحالة الأولى يصبح الشعب صاحب القرار وفي الحالة الثانية ينتزع القرار منه من قبل حراس المعلومات خبراء العهد الجديد.
فتشو في العناوين الرئيسية للصحف ستجدونها عناوين أحكام جاهزة غير قابلة للنقض أو الاستئناف حتى في أن المعلومات كوظيفة أصلية للعمل الصحفي لا تكاد ترى..
الصحافة رديف مهم لعملية التحول الديمقراطي فتدفق المعلومات إلى الرأي العام يحوله إلى الطرف الأقوى في معادلة الشعب _ السلطة وتخلصه من وضع التابع الأعمى لسلطة عليمة بكل شي، على ان المعلومات التي تهبط على الصحافة من قبل المصدر الخاص لا تساعد كثيرا في عملية التحول الديمقراطي ان لم نقل تربكه أو تعيقه فالمصدر الخاص في الغالب مجهول و نشاطه في الغالب ليلي فيما الديمقراطية لا تبنى إلا في النهار ومن قبل الذين صاروا أشخاص معروفين وليسوا مجرد أفراد مجهولين.
المصدر الخاص طرف تأسس خارج السياسة وبعيد عن شروط ممارستها لذا هو يحاول إرباك ساحة العمل السياسي من خلال علاقة غير سوية بأهم محركات العمل التحول الديمقراطي وهو الإعلام الذي يمنحه إمكانية الفعل دون أن ينسب أن تلحقه الكلفة والحقيقة أن الذي يدفع الكلفة هي الصحافة التي تفقد مصداقيتها تبعا لنشاط المصدر المجهول..
ذات مرة نشرت إحدى الصحف أن لقاء جمع رئيس الهيئة العليا للإصلاح بالسفير الروسي خصص لمناقشة العناصر التي يرسلها الإصلاح إلى سوريا في حين أن أي من الطرفان لم يأتي على هذا الموضوع من قريب أو بعيد للأسف كانت الصحيفة قد اعتمدت على مصدر... حينها اكتفت دائرة إعلام الإصلاح بإبداء الأسف على الأضرار التي تلحقها الصحيفة بمصداقيتها والحقيقة أن الأضرار تشمل المهنة كلها.
الصحافة مهنة عظيمة توفر للمجتمع إمكانات هائلة في رصد النضال السياسي لكل من السلطة والمعارضة ليتمكن المجتمع من تحديد موقف من سلوكيات الطرفين لا أن تقوم الصحافة بهذه المهمة بدلا من المجتمع فالمعلومات حين تناسب للمجتمع يتخذ قراره وهو مستعد لتحمل كلفة ما يفعل وهو بهذا يصبح الفاعل الأول في العملية السياسية اما حين تحل محلة الصحافة فانه يعزف عن السياسة وقد يهجرها تماما إلى دوائر أخرى للفعل يجد فيها نفسه ليس بصفته شعب بل بصفته قبيلة.
وجهة ومذهب...
حتى حين يقرر الصحفيون أو بعضهم نقل المعلومات لا يبذلون جهدا في التأكد من مطابقتها للواقع أو البحث عن مصدر معلوم والأخطر أن يتم تصوير الخطأ الذي يقوم به المسئول الفلاني على أنه خطأ صادر عن كل الذين يشاركونه الاتجاه السياسي أو القناعات الفكرية هنا يحتشد هؤلاء لمناصرته دفاعاً عن أنفسهم بعد أن يجدوا أنفسهم في خانة الاتهام وهو مشهد قد يقود إلى تعطيل عملية إيقاف الخطأ ومحاسبة مرتكبة.
من المهم ان يقود تدفق المعلومات للمجتمع الى تحريك القضاء الذي يملك الحق بإثبات التهمة أو نفيها أما في حال صارت الصحافة هي جهة حسم قضائي فلا أظن أن هذه سيخدم اتجاه بناء الدولة.
سواء كان باذيب أو غيرة فالقضاء هو المعني وليس الصحفيين أو الناشطين ووقوفنا عند هذا الحد يسهل عمل منظومة الجزاءات التي وضعت للتعامل مع هذا الوضع قانونيا وقضائيا ...فما سيست القضايا الا وتعطلت.
تعرض التجمع اليمني للإصلاح لحملة واسعة على خلفيه جريمة نكراء تمت على أيدي أشخاص ينتمون لآل العواضي راح ضحيتها شابين يافعين ورغم الموقف القوي للإصلاح حيال الجريمة إلا أن بعض الصحف واصلت التعامل مع الإصلاح كفاعل ... الجرائم والأخطاء هي مؤشر على النواقص الذي يعتري منظومتنا القانونية أو المؤسساتية والتي يفترض أن تتجه الفعاليات النضالية للضغط على الدولة لاستكمال هذه النواقص حتى لا تتكرر مثل هذه الأحداث ... هي جرس إنذار للاتجاه نحو بناء الدولة كمطلب رئيس يسبب غيابه تهديد للسلم الاجتماعي في حين أن تسييس القضايا لا يقود إلى تعزيز الدولة كما قد يضر بالقضية نفسها.
أدعو إلى ميثاق شرف يجنب العمل الصحفي الاستقطابات ويلزم الأداء الصحفي بخط المهنة وفق قواعدها وقيمها وهي حاجة ملحة لمهنة محركة لعملية التحول الديمقراطي الذي ننتظر الوصول إليه.
* من صحيفة المصدر
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها